*- شبوة برس - عيدروس نصر
في البدء لا بد من التذكير أن توقيع اتفاق الرياض (في 5 نوفمبر 2019م) قد جاء بعد مواجهة مسلحة بين القوات الجنوبية وقوات الشرعية في ما يسمى بـ"الجيش الوطني"، التي انسحبت من فرضة نهم وبقية مديريات محافظة صنعاء ومعظم مديريات محافظتي مأرب والبيضاء وكل محافظة الجوف لتحتل شبوة وأبين على طريق إعادة احتلال عدن، في إطار ما عُرِف بــ"غزوة خيبر" وتواصلت المواجهة على مشارف مدينة شقرة في محافظة أبين فيما عُرِف بـ"جبهة الشيح سالم قرن الكلاسي"، واستمرت المواجهة عدة أسابيع سقط فيها مئات القتلى والجرحى من الطرفين، وقد تزامن ذلك مع استمرار حرب الخدمات وتوقيف المرتبات وسياسات التجويع التي شهدتها محافظات الجنوب.
وحينما وُقِّعَ اتفاق الرياض الذي من خلاله جاءت مشاركة المجلس الانتقالي في الحكومة وكان قد تضمن نصوصاً واضحةً تقضي بإيقاف الحرب وانسحاب القوات من مواقعها، وبأن تتعهد "حكومة المناصفة" بتفعيل الخدمات وتوفير المرتبات، كان الابتهاج بهذه التعهدات طاغياً على الابتهاج بحكاية المناصفة ذاتها، لكن للأسف لم يسفر تنفيذ هذا الاتفاق لا عن انفراجٍ في الحياة المعيشية والخدمية ولا عن تسليم المرتبات ولا عن تطبيع الحياة المدنية واستئناف الحكومة لمهامها من داخل العاصمة عدن، وكان توقيف المواجهات المسلحة هو المنجز الوحيد الذي حققه هذا الاتفاق.
وحينما انتهت مشاورات الرياض بالإطاحة بالرئيس هادي ونائبه علي محسن، واستبدالهما بمجلس الرئاسة بمشاركة رئيس المجلس الانتقالي اللواء عيدروس الزبيدي تعززت تلك المشاركة في السلطة، وقد كان انضمام الأخوين اللواء فرج البحسني والعميد أبو زرعة المحرمي، إلى رئاسة المجلس الانتقالي تعزيزاً لدور المجلس الانتقالي في السلطة الشرعية، وإن لم تصل هذه المشاركة إلى المناصفة.
لكن السؤال الذي سيظل يطرح نفسه: ما هو التغيير الذي أحدثته المشاركة (الانتقالية أو الجنوبية) في تركيبة السلطة، من حيث توقيف حرب الخدمات وإيقاف سياسات التجويع والتطفيش التي تمارسها الشرعية في حق الشعب الجنوبي؟ وما الشوط الذي قطعته القضية الجنوبية بفضل هذه الشراكة على طريق تحقيق تطلعات الشعب الجنوبي في التحرر والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية؟
لمحاولة الرد على هذه الأسئلة وما يتفرع عنها من دقائق وتفاصيل لا بد من الإشارة إلى القضايا التالية:
إن الوضع المزدوج للمجلس الانتقالي الجنوبي بين دوره ككيان سياسي يعبر عن ملايين الجنوبيين المكتوين بنيران الفساد والظلم والتطفيش والحرمان، وبين كونه شريك في السلطة الشرعية ككيان سياسي حاكم يضعه في تحدٍ يفرض عليه أحد أمرين: إما إحداث تغيير نوعي في سياسات السلطة الشرعية بما يستجيب لتطلعات أبناء الجنوب في الحياة الحرة الكريمة العادلة والآمنة والمستقرة معيشياً وخدمياً وأمنياً، وإما التخلي عن هذه الشراكة البائسة التي لم يحصد من رائها سوى تنامي السخط الشعبي وتراجع الالتفاف الجماهيري حول خطابه السياسي، ونجاح الشرعية الفاسدة في الإفلات من الغضب الشعبي ومن مسؤوليتها الرئيسية عن كل ما يعانيه الجنوبيون من عذابات.
وأخيرا:
من الواضح، أن شركاء الانتقالي في السلطة (الشرعية) التي تحكم الجنوب منذ 7/7/1994م حتى اليوم لديهم أجندة عملية تحتوي على مجموعة من المفردات الاستراتيجية والتكتيكية، ملخصها استمرار التسلط على الجنوب أرضاً وإنسانا وثروةً، حاضراً ومستقبلا، وما باقي الممارسات والتمظهرات وصناعة الفساد والعبث بالحياة السياسية واستمرار مظالم 1994م ومحاولات تفكيك المجتمع الجنوبي من خلال زراعة البؤر والتشظيات، كل هذا وسواه من مظاهر العبث بالمجتمع الجنوبي سوى أدوات تكتيكية قد تتنوع زتختلف من حين إلى آخر، ويتم هذا بمشاركة المجلس الانتقالي في السلطة أو بدونها، لكن السؤال بالنسبة للجنوبيين: ما هي المضامين الاستراتيجية والخطوات التكتيكية التي أعدها المجلس الانتقالي لكي يقود شعب الجنوب إلى تحقيق هدفه الرئيسي المستقبلي من خلال مشاركته في مؤسسات السلطة؟ وهل يمكنه أن يسخر هذه المشاركة ليفرض سياسات وممارسات مختلفة عما قبل 5 نوفمبر 2019م وما قبل 7 أبريل 2022م؟
ولا أتفق مع تلك الأقاويل التي يسوقها بعض نشطاء التواصل الاجتماعي والتي تقول أن الانتقالي قد اكتفى بتحسين معيشة وزرائه وممثليه في المؤسسات الشرعية، ولم يتخذ أي خطوة نوعية تجعل الشعب االجنوبي يشعر بأنه يقترب من تحقيق حلمه في استعادة دولته بعد كل هذه السنين من العذابات وهذه الأعداد من التضحيات.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.