وسط مشهد تختلط فيه المرارة بالخذلان، تشهد العاصمة عدن أزمة معيشية متفاقمة أجبرت كثيراً من الأسر على بيع ممتلكاتها المنزلية لتوفير لقمة العيش أو شراء الدواء.
من قطع أثاث بسيطة، إلى أجهزة كهربائية وأدوات مطبخ كانت ذات يوم رمزاً للاستقرار، باتت اليوم تُعرض في الأسواق الشعبية بأثمان بخسة، في مشهد يعكس عمق المعاناة التي تعصف بحياة المواطنين.
"ما عاد في شي نبيعه إلا الذكريات"، بهذه الكلمات وصفت "أم ناصر"، وهي أرملة تسكن حي الشيخ الدويل، حالتها لمنصة العين الثالثة، تقول بحسرة وهي تفرش أدوات منزلية مستعملة في أحد الأسواق: "بعت الكرسي اللي جلس عليه زوجي قبل وفاته، لأن أطفالي ما ذاقوا وجبة ساخنة منذ أيام".
وتمكنت "العين الثالثة" من توثيق مشاهد إنسانية صادمة؛ أطفال يحملون أجهزة مطبخية يتجولون بها بين الأزقة لبيعها، وآباء يجلسون بجوار ثلاجات صغيرة ومراوح متعطلة، في انتظار زبائن قد لا يأتون.
في السوق الشعبي بحي الشيخ عثمان، روى أحد المواطنين قصة بيع سريره مقابل مبلغ لا يكفي لسلة غذائية: "بعت كل شيء. غرفة الضيوف، التلفزيون، حتى باب الحمام فكّرنا نبيعه. المهم نعيش."
وتكشف هذه الحالات عن انهيار خطير في مستوى المعيشة، حيث تلاشت قدرة كثير من الأسر على تلبية احتياجاتهم اليومية، بما في ذلك الغذاء والدواء، ولم تُفلح المساعدات المتقطعة أو الوعود الحكومية في وقف هذا التدهور، مما دفع بالوضع الإنساني إلى حافة الانفجار.
وفي مستشفى حكومي، التقت مراسلة "العين الثالثة" بطبيبة قالت إن أحد المرضى المسنين توفي بسبب عدم حصوله على مضادات حيوية في الوقت المناسب، لأن أسرته كانت مشغولة بمحاولة بيع ما تبقى في المنزل لتأمين ثمن الدواء.
ورغم كل ذلك، لم تُسجَّل حتى اللحظة استجابة فاعلة من الجهات الحكومية، ولا تحرك ملموس من المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية لإنقاذ الموقف، ومع تزايد التحذيرات من خطر المجاعة، ترتفع الأصوات مطالبة بتدخل عاجل ينقذ ما تبقى من كرامة الإنسان العدني.
"عدن لا تحتاج فقط مساعدات طارئة، بل تحتاج استعادة كرامة، وإعادة نظر شاملة في الأولويات.. فالناس تبيع ما تبقى من ذكرياتها لتحيا، بينما يكتفي المسؤولون بالصمت."