طفلة فلسطينية أنهكها الجوع
*- شبوة برس - محمد عبدالله المارم القميشي
هنا غزة... الأرض التي لم تعد فقط مسرحاً للحرب بل ميداناً يكشف تواطؤ العالم وسقوط إنسانيته.
هنا لا يُسمع دوي القنابل فقط بل صرخات الأمعاء الخاوية وآهات الأمهات، ونظرات الأطفال التي تتقافز بين الركام تبحث عن لقمة تسد الجوع أو شربة ماء تُبقي على ما تبقى من الحياة.
غزة اليوم لا تعيش أزمة غذاء عابرة كما يحاول البعض ترويجها بل تعيش مجاعة حقيقية، مجاعة صُنعت وصُمّمت بعناية... حصار خانق، وقصف لا يتوقف وسكوت عالمي مريب منذ أكثر من تسعة أشهر.
انهارت كل أركان الحياة: البيوت المستشفيات الأسواق وحتى القلوب. لم يعد هناك ما يحمي الإنسان من الموت لا سقف ولا خبز ولا دواء.
تُشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الوضع في غزة بلغ المرحلة الخامسة الكارثية حسب تصنيف ((IPC)) لانعدام الأمن الغذائي. هذا يعني باختصار: جوع قاتل.
أكثر من 470 ألف إنسان في غزة يعيشون اليوم تحت خطر المجاعة وأكثر من مليون إنسان يقفون في طابور الانتظار بين الأزمة والطوارئ. نصف مليون طفل يعانون من سوء تغذية حاد. بعض الأمهات لم يجدن قطرة حليب فيكتفين بحبس الدموع كي لا يزداد وجع أطفالهن وجعاً فوق وجع.
إحدى الأمهات قالت وقد غلبها البكاء: ((والله ما ذقت طعاماً منذ سبعة أيام بس نفسي أطفالي يناموا من غير ما يبكوا من الجوع… حتى لو كان هذا آخر يوم لي..))
أي قلوب تحتمل هذا المشهد؟ وأي حضارة تلك التي تباهي بتقدمها، بينما يموت الأطفال جوعاً وعطشاً تحت مرأى العالم؟
الحرب دمّرت أكثر من 70% من مصادر الغذاء: مزارع و أسواقوط ومخازن... والمساعدات تُمنع من الدخول بقرار مُسبق. وهنا لا يمكن الحديث عن ((آثار جانبية للحرب)) بل عن تجويع متعمّد وموثّق.
كل القوانين الدولية تُجرّم استخدام الجوع كسلاح:
اتفاقيات جنيف (1949).
البروتوكول الإضافي الأول (1977).
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) الذي وصف ((تجويع السكان المدنيين عمداً بجريمة حرب.))
قرار مجلس الأمن رقم 2417 (2018) الذي أدان بوضوح استخدام الجوع كسلاح، وربط بين النزاعات المسلحة وخطر المجاعة.
((لكن أين الموقف؟ أين العدالة؟ أين القانون؟))
للأسف... لا شيء. لأن من يستخدم الجوع سلاحاً هو ذاته من يجلس على طاولة القانون ويمتلك حق النقض (الفيتو)، ويقرر من يُعاقب ومن يُترك ليموت بصمت.
ما يحدث في غزة ليس كارثة فقط بل فضيحة للإنسانية جمعاء.
إنها مجاعة مكشوفة ووصمة في جبين كل ساكت وكل مُطبّع وكل من باع الموقف من أجل رضا الكبار.
((وغزة... باقية تجوع لكنها لا تركع.))
في الختام:
فيا من ما زال في قلبه ذرة إنسانية... أنصت لصوت غزة لا لصوت الإعلام المُضلل. لا تبرر الجريمة بالصمت، ولا تغسل يدك من دم الأبرياء بحيادك الكاذب. غزة لا تطلب صدقات بل تطلب وقفة حق... تطلب كسر هذا الحصار الجبان ووقف هذا القتل البطيء.
وغداً سيكتب التاريخ: أن أطفالاً جاعوا حتى الموت بينما العالم كان يتفرّج… وسيسأل الأجيال القادمة: أين كنتم؟!
((اللهم كن سنداً وعوناً لأهل غزة وارفع عنهم الجوع والظلم
وانصرهم على من طغى وتجبروارحم ضعفهم
يا أرحم الراحمين.))
2025/7/24