أمراء الصرافة.. دولة داخل الدولة: من يملك المال يملك القرار

2025-09-03 10:03
أمراء الصرافة.. دولة داخل الدولة: من يملك المال يملك القرار
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

قال اعلامي جنوبي أن "من يملك المال يملك القرار.. هذه هي القاعدة التي تحكم اليمن اليوم، لم يعد الاقتصاد مجرد أرقام تتلاعب بها الأسواق، بل أصبح سلاحا بأيدي حفنة من النافذين، حولوا الصرافة من مهنة خدمية إلى إمبراطورية جشعة تمتص دماء المواطنين، وتدوس على ما تبقى من سلطة الدولة، إنها حرب اقتصادية صامتة، لكنها أشد فتكا من الرصاص".

 

ورد ذلك في موضوع للإعلامي الكبير "جهاد محسن" أطلع عليه محرر "شبوة برس" وورد في سياقه:

منذ عام 2015م، تكاثرت محلات وشركات الصرافة في اليمن بشكل لافت، وتحولت خلال سنوات قليلة من مجرد محلات صغيرة إلى كيانات مالية ضخمة تمارس دورا مزدوجا يجمع بين الصرافة والأنشطة البنكية، في تجاوز واضح للقوانين.

 

هذا التحول لم يكن عفويا، بل جرى برعاية نافذين في الدولة، وبغطاء من البنك المركزي الذي سمح بتوسع غير مسبوق في منح التراخيص.

 

ما جرى بعد 2017م تحديدا كشف عمق الكارثة، فجأة قفز أشخاص عاديون لم يكن لهم أي تاريخ تجاري إلى قوائم كبار التجار، بعد أن ارتبطوا بشراكات مشبوهة مع مسؤولين نافذين، ومع هذا النفوذ المالي صارت معظم شركات الصرافة أذرعًا خفية لغسيل الأموال وتهريبها إلى الخارج، لتتحول من مؤسسات مالية خدمية إلى أدوات عبث بالاقتصاد.

 

هذه الإمبراطوريات المالية الجديدة لم تكتف بإضعاف البنوك الرسمية، بل أنشأت اقتصادا موازيا يتحكم بالسيولة النقدية وسعر الصرف بعيدا عن أي رقابة، والنتيجة أن الدولة فقدت قدرتها على ضبط السوق، والمواطن هو من يدفع الثمن المباشر عبر انهيار العملة، وارتفاع معدل الغلاء الفاحش، وانعدام الثقة بالقطاع المالي.

 

ورغم بعض التحسن في سعر صرف الريال، إلا أن ذلك لم ينعكس إيجابا على حياة الناس، أسعار المواد الغذائية، السلع الأساسية، الإيجارات، رسوم المدارس، الأدوية، تذاكر السفر، وحتى الغاز والنفط بقيت على حالها، دون أي انخفاض ملموس، أي أن المعيشة لم تشهد تحسنا سوى شيء طفيف يكاد لا يذكر، وكأن الانخفاض في العملة مجرد رقم لا صدى له في واقع الناس.

 

الخطر لا يتوقف عند الاقتصاد وحده عبر التلاعب بالعملة، فالأموال المهربة عبر هذه الشبكات باتت تمول أنشطة غير مشروعة، وتغذي جماعات مسلحة ومليشيات تستفيد من هذه الفوضى لتثبيت سلطتها، وهكذا.. يتحول المال المنهوب إلى سلاح يهدد استقرار الدولة والمجتمع.

 

المطلوب اليوم ليس فقط وقف منح التراخيص العشوائية، بل إعادة هيكلة شاملة لقطاع الصرافة، ومراجعة ملفات الشركات القائمة، ومحاسبة المتورطين من نافذين وجهات رسمية، ومن دون ذلك ستبقى منظومة الصرافة أداة بيد القوى الفاسدة لتجويع الناس، وإضعاف الدولة، وابتلاع ما تبقى من الاقتصاد الوطني.

 

نؤكد لو فشلت إجراءات الحكومة والبنك المركزي اليمني في الإصلاحات الاقتصادية الجارية، فنترقب أن القادم سيكون كارثيًّا ومأساويًّا، ليس فقط على حياة ومعيشة الناس، وإنما إلى مجاعة وفقر مدقع قد يقود الشعب إلى ثورة لا تبقي ولا تذر.

*- جهاد محسن