"إسرائيل الكبرى" تفجّر "إسرائيل الصغرى"

2025-10-01 18:54

 

لم نكن نتصور أننا، كلبنانيين، على هذا المستوى من الهلهلة السياسية، والهلهلة الطائفية، التي تكشف لنا في أي دولة نحن (ولا دولة)، وأي شعب نحن (ولا شعب). المنطقة في مهب الأعاصير، وقد تتغير الأنظمة، وقد تتغير الخرائط، ولا نزال، وسنبقى، داخل تلك الدوامة ما بين ثقافة الخنادق وثقافة القبور.

 

بالرغم من سوداوية المشهد، ودفع بعض أساقفة الطوائف، الخارجين للتو من الكهوف، في اتجاه الصدام الدموي، نرى أن طرح بنيامين نتنياهو، وبوحي توراتي، إقامة "إسرائيل الكبرى"، جاء في التوقيت الخطأ. تحول دراماتيكي في الرأي العام العالمي، لا سيما الرأي العام الغربي، ما يمكن أن يفجّر إسرائيل، بل والمنطقة بأسرها. ثمة سؤال مثير داخل المحافل الأوروبية: أين ستكون أميركا، وماذا يمكن أن تفعل، إذا ما انفجرت إسرائيل؟

 

وسط تلك الاحتمالات العاصفة، هزة في السراي لأن متظاهرين تجاوزوا العدد المحدد، وأضاؤوا صورة قائد تاريخي، بالليزر، على صخرة الروشة التي تاريخها تاريخ الصخور، وليست ملك مدينة أو طائفة، وذلك في الذكرى الأولى لاغتياله بالطائرات الإسرائيلية التي تجوب أجواءنا، وأعصابنا، على مدار الساعة، وتهددنا، حتى بوجودنا، إن لم نرفع الرايات البيضاء، ونقدم الجنوب هدية لملوك التوراة.

 

حقاً لا ندري ما هي الأزمة، وما الغاية من تحويلها إلى قضية طائفية (شكلاً قضية سيادة. سيادة ماذا؟)، لنقول للرئيس نواف سلام، هذا ما يفعله رجل الدولة لا رجل الشارع، تصور لو أنك شاركت في الذكرى المفجعة ولو لدقائق، أما كنت صنعت وجهاً آخر للبنان، وإن كنا نعلم لو فعلت ذلك لما عدت، طوال حياتك، إلى السراي. لكننا نقول يا دولة الرئيس إن صناعة أزمة بهذه الضحالة يحتاج إلى الكثير من الحنكة، والكثير من "الشطارة". السيناريو كان كاريكاتورياً بكل معنى الكلمة، أين كان الرئيس فؤاد السنيورة؟

 

اعتدنا على ألا نكون، وألا تكون حكوماتنا، بمستوى أزماتنا (رحم الله الرئيس رفيق الحريري)، ليختصر المطران الجليل جورج خضر المشهد بعبارة لطالما ذكرنا بها "لبنان واقع ركام لا واقع جماعة"، أو "لقد كتب للبنان ألا يعيش وألا يموت"، وهذه صفة أهل الجحيم كما رآهم دانتي في "الكوميديا الإلهية". ركام فوق ركام، ومتى ينفجر؟ هذه دولة باعت الجنوب، وأهل الجنوب، بل لبنان وأهل لبنان، إلى ياسر عرفات، ثم إلى آرييل شارون، ثم إلى عبد الحليم خدام الذي عندما كانت زوجته (أم جمال) تطأ أرض بيروت بأنف الغزاة، كانت تهتز الجمهورية من أدناها إلى أقصاها. الآن، ألسنا في المزاد العلني...؟

 

هل هذا بلد قابل للحياة حين يقترب من الانفجار من أجل صورة بالليزر على صخرة الروشة؟ ندرك كوننا طوائف من بقايا القرن التاسع عشر، مشكلتنا، سواء كانت سياسية، أو كانت طائفية، هي في استشراء ثقافة التبعية، وثقافة الزبائنية، بالشكل الذي يحول دون بلورة أي رؤية بنيوية للبلاد، لنبدو نتاج تفاعلات جيوسياسية، وجيوستراتيجية إقليمية أو دولية. الآن، المملكة العربية السعودية هي الأكثر تأثيراً في مسار العهد ودائماً تحت المظلة الأميركية.

 

ضربة الدوحة أحدثت صدمة في قصر اليمامة (إذن، هذه هي أميركا)، ليأخذ لقاء الأمير محمد بن سلمان مع علي لاريجاني أهمية خاصة، انعكس في موقف الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، بمد اليد إلى المملكة، وهذا ما كتبناه، وتمنيناه، في حينه، لتؤكده "رويترز" أمس، ولكن ما نقل إلينا من مصدر إعلامي سعودي أن بعض المستشارين في القصر تحفظوا على بعض الكلمات في تصريح الشيخ نعيم، وهو ما قد يعمل المسؤول الإيراني على معالجته خلال زيارته الحالية لبيروت للمشاركة في ذكرى اغتيال السيد حسن نصر الله، فهل نرى الطريق وقد فتحت بين الرياض وحارة حريك مثلما هي مفتوحة مع مناطق أخرى؟

 

ما أثير من ضوضاء حول الصورة، وكان واضحاً أنه مصطنع، وأنه لخدمة أولي الأمر، لا من أجل حصار "حزب الله" فقط، وإنما من أجل تصفيته، ودون أي قراءة دقيقة لما هو على الأرض وما هو تحت الأرض. ولكن ألا يبدو أن الدولة العبرية، وكذلك الدولة الأميركية، وصلتا إلى الطريق المسدود، حتى أن دونالد ترامب الذي وعد بتأمين التغطية للقرار الخاص بضم الضفة، ما لبث أن تراجع لأن خطوة من هذا القبيل يمكن أن تنشر الحرائق في أرجاء الشرق الأوسط.

 

"يديعوت أحرونوت" رأت في مسألة "الدولة الفلسطينية" القنبلة التي وضعت على طاولة بنيامين نتنياهو الذي بات واضحاً أنه بات يدور في حلقة مفرغة، وبعدما لاحظت وسائل إعلام غربية، مختلفة، أن من المستحيل إبقاء ملايين الفلسطينيين خارج المكان والزمان (الإندبندنت). وبعدما لم يجد رئيس الحكومة الإسرائيلية سوى الكراسي الفارغة يتحدث إليها في الأمم المتحدة، هل يمكن أن يستقبل في الكابيتول بغير ذلك، وبعدما أعلن ترامب نفسه نهاية السيطرة الإسرائيلية على الكونغرس، وهذه بمثابة الضربة الكبرى، وغير المتوقعة، على رأس اللوبي اليهودي؟

 

تغيير الشرق الأوسط، ولطالما كان مقبرة الآلهة، مثلما كان مقبرة الأباطرة. أكبر بكثير من حاخامات القرن. خوفنا أن تتعامل حكومتنا الغرّاء مع هذه "اللحظات التاريخية"، تعاملها مع الصورة. لا مشكلة لديها سوى سلاح "حزب الله" لأنه فقط ضد إسرائيل. هذه هي أوامر أولياء الأمر. أنظروا في التشكيلة الحكومية تعلمون من هم أولياء الأمر إن كنتم بغافلين...