سقوط مشروع الوحدة وشرعية تمثيل الجنوب واليمن

2025-10-03 08:31
سقوط مشروع الوحدة وشرعية تمثيل الجنوب واليمن
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- شبوة برس - د. حسين لقور بن عيدان

مشروع الوحدة التي أُعلن عام 1990 لم يكن ثمرة إرادة شعبية أو استفتاء حر، بل قرار فوقي اتخذته قيادات لم تُنتخب شعبيًا في الجنوب أو اليمن، لكنه جاء كحلّ لأزمات النظامين السياسية والاقتصادية الخانقة، أكثر منه تعبيرًا عن توافق مجتمعي ناضج ومدروس.

 

بعد الإعلان، ظلّت معظم مؤسسات الدولتين محتفظة بكيانها المستقل؛ جيش هنا وجيش هناك، عملتان مختلفتان (الدينار الجنوبي والريال اليمني)، قوانين محلية نافذة منفصلة، تعليم بمنهاجين مختلفين، وحتى شركات الطيران لم تندمج فعليًا. لم يتغير سوى العلم وبعض المناصب الرمزية. ومع هشاشة هذا البناء، كان طبيعيًا أن تتفجر التوترات سريعًا وصولًا إلى الغزو اليمني الدموي للجنوب في 1994 الذي قضى عمليًا على فكرة الشراكة العادلة وفرض نظام صنعاء بكل ما فيه على الجنوب الذي تعرض لتدمير ممنهج في كل المجالات.

 

اليوم، بعد سنوات من النضال السلمي الجنوبي وسنوات المقاومة وبعد إزاحة نظام علي صالح ثم الانقلاب على هادي تظهر إشكالية التمثيل السياسي كوجه آخر للأزمة التي تعصف بالشعبين.

 

في اليمن تتناحر قوى متوازية: الحوثي يفرض سلطته بقوة السلاح، بقايا المؤتمر وأبناء صالح يحتفظون بشيء من نفوذ مناطقي، الإصلاح يهيمن في مأرب وتعز، بينما يتحرك رشاد العليمي تحت عباءة بقايا الشرعية، وطارق صالح تم تسليمه قطعة أرض في الساحل الغربي بعدما تم تحريره من قبل الجنوبيين، كل هذه القوى لا تستند إلى تفويض شعبي حقيقي، بل إلى السلاح أو الدعم الخارجي أو الولاءات الجهوية.

 

في الجنوب، الصورة تبدو أوضح لكن ليست خالية من التحديات. المجلس الانتقالي نجح في ترسيخ حضوره كأقوى كيان سياسي على الأرض، مستندًا إلى مشروع وطني لاستعادة الهوية وتحقيق الاستقلال الثاني، وهو ما يمنحه مشروعية جماهيرية واسعة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار وجود نخب جنوبية لا ترفض المألات النهائية للمشروع الجنوبي ولكنها لا تقبل احتكار التمثيل في مكون واحد وتطالب بصيغ شراكة أوسع، وهو أمر طبيعي في مجتمع متنوع اجتماعيًا.

 

اللافت أن سؤال من يمثل الجنوب؟ يثير جدلًا أكبر من سؤال من يمثل اليمن؟.

 

مع أن الجدل كان يفترض أن يثار حول تمثيل الشعب في اليمن الذي تتنازعه قوى مختلفة طائفيًّا وقبليًّا وسياسيًّا من هنا، رغم كل التعقيدات المرتبطة بمسألة التمثيل السياسي للشعبين، تظل هناك معايير عصرية تمنح الشرعية وتحدد اتجاهات الإرادة العامة للشعوب، مثل استطلاعات الرأي والاستفتاءات الشعبية، والتحركات الجماهيرية، وتعبيرات النخب الفكرية والسياسية. هذه المؤشرات الحديثة تشكل أساساً جوهرياً لفهم ميول الشعوب وتطلعاتها، وتُعد معياراً لا غنى عنه في الدفع بتقرير المصير وإثبات مشروعية أي تمثيل سياسي.

 

ولأن القضية الجنوبية مرتبطة بهدف مركزي واضح هو استعادة الهوية الجنوبية، الاستقلال وبناء الدولة الجنوبية. لذلك يصبح الخلاف الجنوبي ليس خلافًا على المصير من حيث المبدأ إنما على الوسائل، بينما في اليمن تنشغل القوى بتثبيت نفوذها في مناطق متفرقة دون طرح مشروع جامع يوحدهم.

 

يبقى المجلس الانتقالي الأكثر تنظيمًا وقبولًا جماهيريًا، وإن كان بحاجة إلى تجسير قاعدته بالحوار وبناء إجماع جنوبي مدني أشمل. فالمشروعية في النهاية لا تُقاس فقط بالقوة أو الحضور السياسي، بل أيضًا بمدى القدرة على إدارة التنوع الداخلي والتعبير عن الإرادة العامة.

 

إن مستقبل الجنوب، كما يبدو، مرهون بقدرة الانتقالي على تجاوز خلافات النخب من حوله، وصياغة خارطة طريق جامعة متفق عليها يتم من خلالها مخاطبة الداخل والخارج بلغة المجتمع المدني الحديث، مستفيدًا من دروس مشروع الوحدة الفاشل، ومتحررًا من أسْر الصراع السياسي البيني. عندها فقط يمكن أن تتحول مطالب تقرير مصير شعب الجنوب إلى واقع سياسي أخلاقي يصعب تجاوزه.