الجنوب: طريق استعادة هيبة القرار

2025-11-02 08:47

 

حقيقة سياسية في البدء لابد أن نذكرها ونستوعبها: من الصعب أن نستجدي أو نعلق آمالنا على دول أخرى لتنهض بأرض وشعب الجنوب. التجارب الحالية والسابقة غنية بالأزمات والمآسي التي تكشف عن خيبة تعليق آمالنا ولغة قرارنا بيد الغير.

 

ولذلك لا يوجد أمام الجنوب إلا أن يستكشف موارده المتعددة ويحافظ على ما استُكشف من ثروة وعائداتها وينتزعها من ناهبيها انتزاعاً.

 

لابد أن يمتلك الجنوب والجنوبيون وحدهم الحقائب السيادية في وطنهم، وأهمها حقيبة النفط والمعادن كحقيبة سيادية تعمل في فلك أرض الجنوب.

 

لابد من وضع خبير اقتصادي وجيولوجي جنوبي كوزير نفط ومعادن، وحوله نخبة من المستشارين الفاعلين وليس الخدم، لاستغلال المورد لصالح الوطن لا لجهات غير رسمية.

 

أما الاعتماد المفرط على الخارج دون بناء قرار وطني مستقل، فقد أثبتت التجارب أنه لا يجلب سوى مزيد من التعقيد والخيبة. فالدول تتعامل وفق مصالحها، ولا تمنح دعماً بلا مقابل. ولهذا بات من الضروري أن يوجّه الجنوب بوصلته نحو الاعتماد على قدراته الذاتية وإرادته الحرة، وأن ينتهج سياسة حكيمة قائمة على الكفاءات والواقعية، فبذلك وحده يمكن أن تُبنى الدولة القادرة على حماية مصالح شعبها وصون قرارها المستقل.

 

لابد من التطعيم بوجوه وخبرات جنوبية متخصصة وجريئة عملياً.

 

ولا بد من تنسيق عالٍ مع دول كبرى ومتوسطة لإسناد توجهاتنا الأكثر فاعلية.

 

ولا بد أن تقف دول مساندة، بعيدة عن الطوق الجغرافي المحيط بالجنوب، في تعاون وإسناد لوقف التغول علينا، بكفاءات وطنية عالية.

 

ولا بد من إشراك شعب الجنوب في المحافظات ذات الثروات الاقتصادية ليقف وجهاً لوجه في إيقاف كل الأعمال الاحتيالية والنهبية لثرواتنا ويعيق تحركات المستغلين لثروات الجنوب ظلماً وجوراً، حتى يقفوا عند حدهم.

 

إذن لابد من سلطة كفاءات جنوبية اقتصادية، وتنسيق وإسناد دولي من دول بعيدة عن تلك التي أغرقتنا في دوامة الأزمات وهي تبيع لنا خطاباً معسولاً سواء التحالف أو الرباعية أو أمثالها.

 

ولابد من إشراك شعب الجنوب في تعزيز وتقوية هيبة العملية السياسية والاقتصادية في الجنوب.

 

ولابد من التفكير الخلاق: بقاء الحقائب السيادية بيد غرباء شرعنوا لأنفسهم وضعاً في الجنوب غير مقبول، خصوصاً وأن شرعيتهم انتهت في دولتهم التي اتحدنا معها. فلا يجوز أن يستمر هذا النهج السياسي الجنوبي الفاشل. علينا أن نعرفهم، وأن يعرفوا حجمهم وحدود صلاحياتهم التي انتهت.

 

بقاء الواقع السياسي والاقتصادي الجنوبي يدور في حلقة مفرغة تحت قرار المتشرعنين زيفاً وبهتاناً ومن قبل تحالف لا يعي أهمية أن يكون الجنوب بيد أبنائه سيبقي الجنوب في حالة تيه لسنوات، وفي مواجهات عسكرية ومدنية تضيّع الدماء والثروات وتزيد احتمال التجزئة داخل أراضينا.

 

هل نحترم ضرورة التغيير إلى الأفضل بإرادتنا ورؤيتنا نحن لا بما يمليه علينا غيرنا؟ لا بد من إيجاد رؤية إرادية لا مستوردة.

 

ضرورة احترام الزمن في التعاطي مع قضايانا الجنوبية؛ فكلما طال الزمن كلما اتسعت المساحات لعمليات التفتيت والتفكيك في الجنوب ديموغرافياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً.

 

وكلما انطلق الجنوب في انتزاع قرار تلو الآخر ضاق الخناق أمام المتشرعنين زيفاً وهم بلا دولة.

 

لا يمكن أن يعقل أن تبقى ثروات أرض الجنوب وطبقاتها من نصيب غير شعبها، مع وجود دولة وحدة يمنية سقطت قبل عقد من الزمان، وشعب يزيد عدده على ثلاثين مليون نسمة، ومساحة دولة تعادل مساحة محافظة حضرموت فقط.

 

هل لدينا استعداد للتضحية ببعض القيادات التي لا تجدد نفسها، بحيث ندرس أفكاراً عملية جديدة، أم نظل تلاميذ أغبياء في عالم السياسة والاقتصاد، فتظل قضية التنمية والمعيشة واستعادة الدولة محلك سر، ومجرّد انتظار مميت تتسارع فيه مؤامرات لخفض منسوب استعادة الدولة والرضى بالتبعية المقيتة؟