أعرف أن البعض سيهاجمني على هذا الرأي، وربما يصفني بالعمالة، لكن من المهم أن نطرح الأسئلة بوضوح ونجيب عنها بعقل لا بعاطفة.
معركتنا الأساسية هي تحرير الجنوب إلى آخر شبر، ورفع علمه فوق كل المعسكرات والمؤسسات، وتأمينه من الإرهاب، وبناء جيشه ومؤسساته المدنية وانتزاعها تدريجيًا من أيدي الاحتلال. معركتنا أيضًا غضب شعبي واعتصامات ومسيرات تطالب باستعادة دولة الجنوب، وكل ذلك محل إجماع ولا خلاف عليه.
لكن السؤال الجوهري هو: هل معركتنا الآن رفع علم الجنوب فوق البنك المركزي في حي القطيع؟
التريث هنا واجب، لأن هذا تحديدًا ما يسعى إليه العليمي وشلته لجر الجنوب إلى فوضى تُستخدم للضغط عليه وإضعافه. المعركة في هذه النقطة ليست معركة أعلام، بل معركة سيادة مالية معقدة، ويجب أن يدرك الجنوبيون حجم الخبث الكامن خلف الدفع نحو التسرع.
البنك المركزي مؤسسة سيادية ما زالت تعمل باسم الجمهورية اليمنية، وهو ليس كأي مبنى حكومي أو معسكر يمكن رفع العلم فوقه دون تبعات. البنك المركزي مرتبط بالإقليم، وبالبنك الدولي، وبنظام سويفت الذي لا يعترف إلا بالبنك المركزي التابع للجمهورية اليمنية، كما أنه مرتبط بالدعم الخارجي والمنح والودائع التي ما زالت تصل باسمها.
في هذه المرحلة، ليس من الضروري رفع لا علم الوحدة ولا علم الجنوب فوق البنك المركزي، لأن أي خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى إغلاقه نهائيًا، وهو ما سيضر بالجنوب وأبنائه في ظرف حساس نحن أحوج ما نكون فيه إلى استمرار خدماته.
خوض المعارك لا يكون دائمًا بالقوة، فهناك معارك انتصر فيها الجنوب بالسلاح واستعاد أرضه ورفع علمه، لكن هناك معارك أخرى يجب أن تُخاض بالعقل والسياسة. هذه مهمة السياسيين، لا الشارع.
نحن جنوبيون حتى النخاع، وانتقاليون بلا تردد، لكن العقل زينة، ومعرفة توقيت المعركة لا تقل أهمية عن شجاعتها. فوتوا الفرصة على المتربصين، وامضوا نحو الهدف بخطى محسوبة حتى يهيئ الله قيام دولتنا الجنوبية.
محمد عكاشة