لا تغضب من هذا المقال، أخي اليمني، فالجنوبي لم يكفّر اليمني ولم يصهينه، فحائط المبكى ندمٌ على وحدة ضاعت، لم تروها سوى غنيمة مربحة.
أخي اليمني، أنت تحتاج إلى حائط مبكى في كل منفذ يؤدي إلى الجنوب، للبكاء على وحدة لم تكن في يوم من الأيام وحدة، بل كانت وحلة غرق في مستنقعها. كل يمني كان يتوق إلى وحدة الأرض والإنسان، فإذا به يتفاجأ بأن الوحدة التي كان يبحث عنها بدافع وطني وقومي قد صارت وحدة نفوذ وهيمنة وضم وإلحاق وسلب ونهب وظلم وقتل وتشريد وإقصاء.
دخل فيها طغيان القبيلة الزيدية. غلب مركز الثقل الثقافي في اليمن ولم تُعر الثقافة وقيم المحبة أي قيمة حسابية. كانت القيمة الحسابية هي هذه الأرض الشاسعة، فكر لا منطق ساد كغابة موحشة. قدّستم المركز المقدس واتبعتم أهواء فكر القبيلة.
دخل الجنوب معكم في وحدة بعد أن وُئدت عصبية القبيلة. دخل معكم الوحدة بفكر قومي انحرف جنونًا إلى فكر تدميري. دخل معكم بعقلية القانون والنظام فإذا به يغرق في وحل العصبية والفوضى والإبعاد والإقصاء.
دخل معكم بمنطق الثقافة والرقي فإذا به يدخل غابة مهلكة لا تسكنها سوى أشباح الموت والإرهاب والغدر.
هذه الأرض لم تنظروا إليها كرقعة جغرافية تعزز من قوة اليمن وبناء دولة الإنسان، بل نظرتم إلى مخزونها من الثروات. نظرتم إلى البحر العربي على أنه بحركم، ونظرتم إلى الثروات المخزونة على أنها لكم وحدكم. سرتم وراء جلاديكم وما زلتم وراءهم، إلا قليلًا من العقلاء منكم.
لم يحدث يومًا أن وقفتم في وجه الظلم وقلتم: لا، ليست هذه الوحدة التي نبحث عنها. هذه غابة، بل إن الغابة كانت أرحم من الغابة التي دخلها الجنوبيون معكم.
وما زال الكثير منكم يبكي وينوح على الوحدة، فهل كان نواحكم لأنكم عرفتم بظلمكم وقسوتكم وتعاليكم على الجنوبي الذي دخل الوحدة بقلب مفتوح وأعطاكم أرضًا وبحارًا وسماءً وجبالًا زاخرة بالثروات؟ لا، لم يكن نواحكم إلا على ضياع الثروات، فالوحدة الإنسانية لا توجد في قواميسكم.
الجنوبي آثركم على غيركم من العرب. قال: تعالوا نقتسم الخيرات ما في الأرض وما في البحر. قلتم: لا، الأرض والثروات لنا، وأنتم مجرد هنود وصومال وسنطردكم من هذه الأرض.
قال: تعالوا نبني دولة مدنية قومية تكون ركيزة لتوحد القومية العربية. قلتم: لا، لن نرضى بغير دولة القبيلة.
تعال معي لنشرح لبعضنا. هل أنت أكاديمي، طالب، معلم، مثقف؟ ماذا استفدت من الوحدة التي وئدتها بيديك لأنك اتبعت منهج الظلم والإلحاق؟ فهل ترى أن الجنوبي يقبل بذلك؟
وإن كنت من مناطق الوسط ورضيت، فلماذا تُرغم الجنوبي أن يكون راضيًا من أجلك؟
حمل الجنوبيون إليكم المدنية والقوانين والثقافة الإنسانية. هذه منا لكم، طبقوها لنبني دولة قوية، فأبيتم إلا أن تدفنوها في الفيافي الموحشة.
هل ما زلت على نفس العقلية التي أضاعت وحدة التراضي، ورأيت الجنوب الكبير بتاريخه وثقافته ونظامه فرعًا عاد إلى الأصل؟ فلن يكون الفرع إلا من نفس نمطية الأصل. فالجنوب شجرة باسقة لها فروعها وجذورها العميقة، أرادت أن تتوحد مع شجرة أخرى لكنها كانت مشوكة.
فهل يرضى أي عربي بذلك؟
أطلقتم فتاوى التكفير. شيوعيين. مرتدين. انفصاليين. دواعش. واليوم ترون الجنوبيين متصهينين. فهل أفادتكم بشيء؟ غير شيء واحد: لن يجبر أبدًا، ولو مر من الدهر ألف عام، أنكم لم تنظروا إلى الوحدة إلا كغنيمة وسلب ونهب وقتل وإرهاب وتكفير.
فهل بقي من عقل يفكر قليلًا ويقول فعلًا: قتلناها بأيدينا؟
لم يتبقَّ إلا نصب حائط مبكى في كل منفذ، ليس لكم معشر هذا الجيل، بل للأجيال القادمة التي ستأتي يومًا بعد أن تنقرض العقليات الحالية، ليبكي فعلًا من أعماق قلبه ويلعن العقلية التي سادت عند جيل أجدادهم.
فأي إرث ستورثونه لأحفادكم؟
والجنوبي سيبني حائط مبكى بجوار حائطكم، لا ليبكي على الوحدة، بل على ضياع خمسة وثلاثين عامًا من عمره في وحدة الظلم والإرهاب.