الشرعية لمن يمثل الشعب

2025-12-24 07:00

 

شهد العالم منذ نهاية الحرب الباردة تحولات سياسية عميقة أعادت تشكيل مفهوم الشرعية والسلطة. فقد اجتاحت حركات شعبية واسعة دولًا عدة، بدءًا من شرق أوروبا في تسعينيات القرن الماضي مع ما عُرف بالثورات البرتقالية، وصولًا إلى ثورات الربيع العربي. هذه التحولات أنهت فعليًا عصر الانقلابات العسكرية والحزبية، وكرّست حضور الشارع كفاعل رئيسي في صناعة القرار السياسي.

 

رافق ذلك صعود غير مسبوق للإعلام الشعبي ومنصات التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى كسر احتكار المعلومة وتراجع دور الأحزاب التقليدية ووسائل الإعلام الرسمية. الأحزاب اليسارية والقومية، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، وجدت نفسها خارج السياق الجديد، فاقدة للحاضنة الشعبية ومأزومة فكريًا. غير أن جماعة الإخوان حاولت تقديم نفسها كبديل مستغلّة الخطاب الديني وحالة الإحباط العامة.

 

عملت الجماعة لعقود في الخفاء، ساعية إلى الوصول للسلطة تحت شعارات دينية عابرة للحدود، وروّجت لوعود كبرى ثبت لاحقًا أنها وهمية. ومع وصولها إلى الحكم في أكثر من بلد، عجزت عن تلبية تطلعات الناس، وبدت أسيرة أدوات تنظيمية قديمة لا تنسجم مع متطلبات الدولة الحديثة.

 

في مصر وتونس والسودان واليمن سقطت الجماعة سريعًا بعد انكشاف فشلها، ولجأت إلى العنف ومحاولات فرض الأمر الواقع. كما تكشفت علاقاتها بالجماعات المتطرفة، ما أدى إلى تصنيفها كتنظيم إرهابي في عدد من الدول الإقليمية والدولية.

 

في اليمن، شاركت الجماعة في السلطة لسنوات طويلة، لكنها لعبت دورًا أساسيًا في تفجير الصراعات وتقويض الاستقرار، وكان لها دور مباشر في اجتياح الجنوب وما ترتب عليه من دمار. وبعد حرب 2015، استثمرت نفوذها المالي والعسكري لتأسيس مناطق نفوذ خاصة، مستفيدة من علاقاتها العابرة للحدود.

 

تحرك القوات المسلحة الجنوبية والمجلس الانتقالي لم يكن فعلًا طارئًا، بل استجابة لواقع فرضته ممارسات عطلت العملية السياسية وأفشلت الاتفاقات، وتورطت في العنف والاغتيالات وتهديد السلم المجتمعي. وقد نجحت القوات الجنوبية في إنهاء هذا النفوذ مع نهاية عام 2025.

 

الشرعية لا تُمنح بالتحالفات ولا بالمواقع الشكلية، بل بإرادة الشعب. وشعب الجنوب عبّر بوضوح عن خياره، مجددًا تفويضه لقيادته الوطنية. فالشرعية الحقيقية هي شرعية الشعب، ولا شرعية لمن يعمل ضده.

 

*- عبده النقيب – سياسي جنوبي