كثير من هذه الأمراض انتقلت إلى مجرى عملية التغيير التي تجسدت في الحوار الوطني الشامل؛ الاغتيالات والحروب وإثارة الفوضى والانسحابات وتعليق المشاركات في الحوار، والاستخفاف بالنظام الداخلي لمؤتمر الحوار، ومراوغات وضغوط القوى التي أجادت الانقسام في لحظات الضرورة - كما تفعل الرخويات ذات الخلية الواحدة- لتوزيع الأدوار بين من يرفضون لتحسين شروط من يوافقون، والحملات الإعلامية المضللة لإضعاف قيمة الحوار في الوعي الشعبي، وكذا التحريض واستعراض القوة والتحالفات التكتيكية، والضخ الإعلامي المضلل للحقائق، والإشاعات وحملات تشويه الآخر، واختلاق الأكاذيب للتكفير والتحريض على القتل...
كلها تداعيات، مباشرة وغير مباشرة، لما استقر في أعماق هذه القوى من اعتقاد بأنها وحدها من يجب أن يقرر مسار هذا البلد وإلى أين يتجه.
هذه الظواهر وتداعياتها شكلت بيئة محبطة للروح التوافقية، جعلت العملية السياسية مضغوطة بكماشة تلك القوى التي تسعى إلى احتكار القرار، وتقدم نفسها على أنها الوحيدة القادرة على مواجهة هذه الفوضى الضاربة أطنابها في الأرض، وحاجتها إلى عين حمراء من طراز لا يتوفر إلا عندها.
هي التي تثير هذه الفوضى، وتقدم نفسها في الوقت ذاته على أنها هي الحل.
لم تكن تستهدف غير تفويت الفرصة على مؤتمر الحوار لتحقيق أهدافه التاريخية.
ومن الطبيعي ألا يتوقف دورها هذا في المحطة التي انتهى عندها مؤتمر الحوار، وهذا ما شهدناه في أكثر من واقعة وأكثر من حدث؛ فقد باتت تتناوب خلق الذرائع فيما بينها لمواصلة إغراق البلاد في الفوضى والعنف والحروب، لاستعادة أوراق اللعبة إلى بين يديها، ويسلم الجميع بألا حل إلا بتوافق هذه القوى بالعودة إلى الطاولة لاقتسام الكعكة.
فهل من الممكن أن يقبل الشعب، وقواه المدنية الحية، العودة بالبلد إلى أحضان هذا الضلال القديم؟
مارس 2014
* من صفحة الاعلامي - عوض كشميم