رسالة الى المعتصمين في ساحة الحرية

2014-10-17 17:14

 

إليكم أيها المرابطون الأبطال

لقد تابعنا تلك اللوحة الرائعة التي عبرت عنها المليونيات المتعددة التي شهدها جنوبنا الحبيب، والتي سطرتها جماهير الجنوب بعزمها وثباتها ويقينها بحتمية انتصار قضيتها، انطلاقا من عدالتها ومشروعيتها ومضمونها التاريخي والوطني.

 

إن الثبات الذي يبديه أبناء الجنوب في التمسك بقضيتهم وإصرارهم على بلوغ هدفهم في تحقيق الحرية واستعادة الدولة الجنوبية الديمقراطية الحرة التعددية القائمة على احترام التنوع والاختلاف والحريات العامة والهادفة إلى تحقيق العيش الكريم لكل ابناء الجنوب، بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي ومكانتهم السياسية وقناعاتهم الفكرية ووضعهم الطبقي والاجتماعي، ان هذا الاصرار ليؤكد ان قضيتنا ماضية على الطريق الصحيح، وان الغاصبين والمنافقين والمتملقين معهم إلى زوال، وسيزول بزوالهم الظلم والقهر والاستبداد والاستكبار والسلب والنهب والإقصاء والتهميش الذي عانى منه الجنوبيون طويلا.

 

إنني مثل واحد من ملايين المتمسكين بالقضية الجنوبية الذين انطلقوا ينشدون الحق ويتصدون للمنكرات ويقاومون الظلم ويأبون طأطأة الرأس خوفا على مصلحة أو بحثا عنها، مجاملة لحاكم أو خوفا من غضبه أحيي كل عمل قمتم به صغر أم كبر لأنه في مقاومة الطغيان لا توجد أعمال صغيرة، فحتى الكلمة البسيطة في وجه طاغية هي عمل عظيم، وصدق رسولنا الكريم الذي قال: “إن من أعظم الجهاد، كلمة حق أمام سلطان جائر ” وما أكثر جور سلاطين هذا الزمن الموبوء بالغرور والغطرسة والتعالي والمكر والغش والاستكبار، فتحية لكم في الميادين وتحية لأرواح الشهداء وهي تحلق في سماء وطننا تذكر بالرسالة النبيلة والمقدسة التي استشهدوا من أجلها، وتحية للجرحى والمعوقين وهو يواصلون النضال من أجل انتصار القضية، وتحية للأسرى والمعتقلين وهم يكابدون ظلمة السجون وآلام الأغلال تمسكا بالقضية ووفاء للعهد الذي قطعوه على انفسهم بالانتصار للحق ولا شيء غير الحق.

 

ايها الثوار البواسل!

لقد تلقيت الكثير من الرسائل عبر هذه الصفحة وعبر بريدي الإلكتروني ومن خلال الاتصالات الهاتفية ورسائل الواتس أب وسواها من أدوات الاتصال تطلب مني اتخاذ موقف من القضية الجنوبية والمشاركة في مناصرتها، واتضح لي أن أكثر من طالبني بذلك أناس لم يعرفوا عني إلا مقالاتي الأخيرة التي لا تختلف كثيرا عن البدايات التي شرعت فيها في مناصرة القضية الجنوبية والاسهام بما في قدرتي لإجلاء حقيقتها للناس والدفاع عن ضحايا البطش والظلم والسلب والنهب والإقصاء والتنكيل والتهميش ، وعليه أود التأكيد إن موقفي من القضية الجنوبية لم يتغير إلا نحو المزيد من التصدي لكافة السياسات القائمة على الاستباحة والاحتلال والإحلال والاستحلال وانتهاك المقدسات وهتك الأعراض وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح وهي سياسات عومل بها الجنوب من قبل دخلاء ٧/٧ على مدى عقدين ويزيد من الزمن المر والأسود، ويعلم الله انني اتوق أن أكون معكم في كل فعالية تقومون بها، ومرارا تمنيت لو إنني بينكم في ساحات النضال وميادين المواجهة، وحقيقة أنا معكم بمشاعري وأحاسيسي وأفكاري وعواطفي، وإن كنت محروما كن معانقتكم فردا فردا، ولولا ظروفي الصحية التي تحول دون وصولي إليكم لطرت إليكم اليوم قبل الغد، لكن علي أن أشكر تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الاتصالات الحديثة التي جعلتني أعيش معكم كل لحظة من لحظات النضال المتواصل

 

أيها المناضلون الأبطال!

لست من المولعين بالتحدث بنبرة الأستاذية فنحن جميعا تلاميذ في مدرسة النضال مهما تقدم بنا السن أو جنينا من ثمار المعرفة، لكن متابعتي الدائمة لتطورات الأحداث منذ العام ١٩٩٤م على الأقل سمحت لي برصد مجموعة من الملاحظات التي قد لا أكون أول من سجلها لكنني أرغب في إيصالها إليكم من خلال صفحتي المتواضعة هذه لربما كان فيها ما يخدم القضية وما ينفع أبطالها في ساحات النضال وميادين المواجهة السلمية.

 

١. إن الثورة السلمية الجنوبية قامت على أساس التصدي للظلم والقهر والاستبداد والتمييز وسيكون من المنطقي جدا ان يرفض ثوار الجنوب ان يكونوا ظلاما لأحد وما اقصده أننا لسنا بحاجة إلى إحصاء وجرد وإعلان من من الناس أعداء قضيتنا فالأعداء واضحون والاصدقاء والانصار واضحون اما من يقف في الوسط فليس من المنطقي ان نعلنه عدوا أو ان نجبره على ان يكون عدونا لأن هؤلاء وما أكثرهم سينتقلون الى صف الحقيقة بمجرد زوال أسباب ترددهم أو دوافع التباس الأمور عليهم، ونحن بحاجة ماسة إلى تضييق دائرة الخصوم وتوسيع دائرة الأنصار ما أمكننا ذلك.

 

٢. لقد قامت ثورتنا منطلقة من تقديس الحرية الفردية واحترام الكرامة الانسانية، وهو ما ينبغي ان يحرص عليه الثوار من خلال احترام حرية الآخرين ومن يختلفون معنا في القناعة والموقف، وسيكون من الحماقة التصدي لقناعات الناس بسبب اختلافهم معنا فالتباين والاختلاف هو سنة الله في مخلوقاته وهو بالنسبة للعمليات السياسة والاجتماعية سببا من أسباب التطور والثراء والابتكار والإبداع.

 

٣. إن ما يميز الثورة الجنوبية هو ارتكازها على مبدأ إنساني نبيل وهو مبدأ التصالح والتسامح، وانطلاقا من هذا المبدأ فإن ما ينبغي التنبه له هو عدم السماح لاستجرار الماضي في علاقات القوى السياسية ببعضها، وعندما اتحدث عن الماضي فإنني اقصد الماضي القريب (العقدين او الثلاثة الأخيرة)، أو الماضي الأبعد (الستينات وما قبلها)، أقول هذا لأن تقييم المواقف والأشخاص والسياسات والأفعال التي جرت في الماضي بمعايير اليوم إنما يجعلنا نعيش في الماضي ومراراته بدلا من الالتفات للمستقبل وتحدياته وما يحمل لنا من بشائر وآمال، وفي التصالح والتسامح لا يمكن الانتقاء فهو مبدأ انساني رفيع ينبغي التعاطي به مع جميع الذين لا يقفون في وجه الثورة الجنوبية السلمية.

 

٤. لقد قامت الثورة الجنوبية السلمية مرتكزة على مجموعة من القيم الراقية والنبيلة وأهمها الصدق، الصبر، الإيثار ونكران الذات، التواضع الإناة ودقة تقييم الظواهر، وهذه القيم ينبغي ان تكون حاضرة ونحن نجتاز المرحلة الراهنة بما فيها من دقة وحساسية وما يعترضها من مخاطر وتحديات، إن هذه القيم هي نقيض مباشر للزيف والمبالغة والاستعجال والتهور والأنانية والطمع، والتعالي والكبرياء المصطنعة والعشوائية والارتجال، فجميع هذه المسالك لا تجلب إلا الضرر والعزلة والتفكك والانقسام وما قد يؤدي إليه كل هذا من أضرار مدمرة، للثورة ولجبهة الثوار وللقضية الجنوبية بالكامل.

 

٥. لقد أثبتت الإحداث والمتغيرات الدولية والإقليمية والمحلية إن الحق لا يمنح لأصحابه من مغتصبيه صدقة أو هبة، بل ينتزع انتزاعا، وهذا لن يتأتى الا من خلال إحداث تغيير واضح في موازين القوى على الأرض، وبيدكم إحداث هذا التغيير، فأنتم تعلمون أن من يديرون محافظات الجنوب اليوم، هم بلا شرعية من أي نوع، ومعظمهم ظل شريكا للذن احتلوا الجنوب وشاركوهم النهب والسلب والقتل وانتهاك الحقوق والحريات، إن بيدكم استبدال ممثلي سلطة الاغتصاب بممثليكم، الذين لا بد أن يكونوا من بين المخلصين للقضية الجنوبية والمتبنين لخيارات شعب الجنوب، وليس من الدخلاء الذين دافعوا عن الغاصبين طوال العقدين الماضيين أو من الذين يتقلبون كالحرباوات بتقلب الإحداث والأزمنة والأماكن.

 

٦. إن الثورة الجنوبية بحاجة إلى منظومة محكمة تدير العملية النضالية وتوجه سير الاحداث وترسم الاستراتيجيات وتحدد الخطوات، فليست كل الملايين المنخرطة فيها قادة، وحيث إن هذا الجانب لم يعر العناية الكافية ، وحيث إن معظمنا لم يعتد على ثقافة الاختلاف والتباين، مما أدى إلى تحول الاختلاف والتباين إلى تنازع، وهذا ما لا يخدم القضية، دعوكم من مزايدات المتسللين والحاقدين على القضية والذين يعتبرون اختلافاتكم بداية للتناحر، أقول إن الثورة الجنوبية بحاجة إلى أداة سياسية معلنة تتبنى الخط السياسي وترسم آفاقه وتحدد مراحل الثورة ومهمات كل مرحلة وتوصل قضيتنا إلى العالم الداخلي والخارجي، ولتجنب تناحرات الستينات والسبعينات والثمانينات بين الساسة والكيانات السياسية، فإن ما نحتاجه اليوم هو جبهة وطنية عريضة تستوعب كل القوى السياسية والمكونات الثورية التي تتمسك بالقضية الجنوبية وتؤمن بخيار استعادة الدولة والوطن من ناهبيهما، وحتى لا تصطدم هذه الرغبة التي هي رغبة الغالبية من قوى الثورة مع الحق في التنوع والتباين والاختلاف، أرى أن تحترم الاختلافات والتباينات، وأن لا تكون هي موضوع البحث، وأن يتم التوافق على الحد الأدنى الممكن من القواسم المشتركة وأهمها: استعادة الدولة الجنوبية، والتمسك بخيار التعددية والتنوع والديمقراطية والحريات العامة، واقتصاد السوق، والنظام الاتحادي اللامركزي عند تأسيس الدولة الجنوبية الجديدة.

 

٧. إننا لسنا في صراع مع الشمال كشكل جغرافي ولا مع الشماليين بسبب انتمائهم المكاني والجغرافي، ومن هنا يجب التنبه لبعض الأعمال التي قد يقدم عليها افراد قد يكونون مدسوسين على الثورة الجنوبية أو دخلاء على الثوار، بهدف تحويل الصراع من صراع بين الظالمين والمظلومين، الغاصبين وأصحاب الحقوق المغتصبة، الناهبين والمنهوبين، إلى صراع بين شماليين وجنوبيين، علينا ان ندعو إخوتنا المواطنين الشماليين إلى مؤازرة قضيتنا العادلة ومنهم الكثير من المفكرين والمثقفين والأكاديميين والمواطنين العاديين من أعلنوا مبكرا تأييدهم للقضية الجنوبية كما إن الغالبية العظمى من إخوتنا المواطنين الشماليين هي ضحية الظلم الواقع على الجنوب من نفس الظالمين وهو ما يستدعي منطقيا اتحاد المظلومين في وجه الظالمين الموحدين أصلا.

 

٨ وفي هذا السياق سيكون من الحكمة تجنب التصادم بإخوتنا في الحركة الحوثية الذين يتقدمون يوميا في تسجيل المزيد من الحضور على الساحة السياسية في الشمال، طالما لم يصدر منهم ما يضر بالقضية الجنوبية، وسيكون من المنطقي تجنب الخوض معهم في صراع لا مبرر له خصوصا وهم قد واجهوا خصمنا المشترك على مدى عقود حتى تغلبوا عليه، وليس من الحكمة إرسال رسائل استفزازية نكون نحن البادئين في استدراجهم لحلبة مصارعة لا حاجة لنا بها ولا دواعي لاستحداثها.

 

لم أكن ارغب في هذا الإسهاب في رسالتي هذه لولا اهمية وحساسية القضايا التي تناولتها ( من وجهة نظري على الأقل) وإنني إذ أشاطركم الإحساس بضخامة التحدي وجسامة المهمة لعلى يقين أنكم بملايينكم وطاقاتكم المبدعة والخلاقة كفيلون بصنع المعجزة التي صنعها ذات يوم آباؤنا وأجدادنا بمئات وربما بآلاف الأفراد.

وفقكم الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته