الوحدة..كلمة حق يراد بها باطل (الحلقة الثالثة)

2016-07-04 22:05

 

الوحدة العربية كانت وستظل حلما يراود كل مواطن عربي، لتخرج الأمة من ضعفها وشتاتها وتمزقها، ولكن الحقيقة أن تجربتنا في اليمن، في وحدة ولدت ميتة، قد عمقت الجروح ووسعت الانقسام والشروخ، بل وزرعت بذور الشحناء والبغضاء والكراهية بين الشمال والجنوب، ولكن الحقيقة الغائبة عن المشهد أن أصحاب المصالح والنفوذ والمهيمنون على كل شيء في النظامين ،هم من زرع تلك الكراهية بين اليمنيين شمالا وجنوبا حتى تظل حروبهم مستمرة عليه !!

 

وإذا ناقشنا الموضوع بمصداقية وحيادية نجد أن الشمالي، هو من كان يعرف باليمني، لم يكن غريبا في عدن أو أي إمارة جنوبية، إبان الاحتلال البريطاني، وقد كانوا يعيشون بيننا، وفتحنا لهم بيوتنا ومدننا وقرانا، تاجروا وتملكوا ولهم مالنا وعليهم ما علينا ،أولادهم تربوا مع أولادنا ،بل وسكنوا في بيوتنا ، وسكن من الجنوبيين في بيوتهم، خاصة المعارضين للحكم الانجليزي ،كنا جميعا نتنقل دون جوازات أو بطاقات، ومن أراد من الجنوبيين الاغتراب والسفر، وهو في الشمال، يستخرج جوازا يمنيا لا ضير في ذلك !!!

 

كنا نحب بعضنا البعض ،وتربطنا صلات النسب والتاريخ المشترك، وبعض العائلات العدنية تنحدر أصولها من الشمال بنسبة 27%، وكانت معظم المحلات التجارية ملكا  لهم يمارسون التجارة وبكل حرية ومعظم الطبقة العاملة في عدن شمالية، وبعض القيادات النقابية والعمالية شمالية، ومنهم أعضاء في الأحزاب السياسية الجنوبية مثل : الرابطة – التحرير – حزب الشعب الاشتراكي – الجبهة القومية.

 

وفي ظل الاحتلال البريطاني وازدهار عدن، انطلقت أشهر البيوت التجارية اليمنية مثل: هائل سعيد – وغيره العديد من الأسماء الكبيرة ،كما كانوا يسيطرون على تجارة التجزئة، والخدمات العامة وأعمال المطاعم والمخابز والمقاهي ،وأعمال النقل والتخزين والتسويق، وأعمال البناء وتجارة الجملة ،وبعض المرافق في عدن مثل: البوليس والجيش، وسائر الخدمات الأخرى، وتكرير النفط والميناء، وشكلت تلك الطبقة العاملة في عدن، قاعدة سياسية للحركة العمالية ،وقد قدرت  العمالة اليمنية في عدن عام 1965م ب (80.975) عاملا، وكانت عدن ملاذا آمنا للحركة الوطنية اليمنية، وقادتها التاريخيين مثل الزبيري والنعمان، وعشرات المعارضين لحكم الإمامة، كما كان المعارضون الجنوبيون يتنقلون في اليمن بكل حرية، وكنا شعبا واحدا موحدا في مشاعره بدون وحدة!!

 

وعرف اليمنيون الكثير من المهارات والحرف اليدوية في عدن، التي أمدت ثورة 26 سبتمبر عام 1962م بالرجال والمال للدفاع عنها، وكذلك العديد من الكوادر البشرية المؤهلة، والتي شكلت عصب الحياة الاقتصادية والمالية، ونهضت الجمهورية على أكتافهم.

 

وبعد خروج بريطانيا، ابتلينا بالحكم الماركسي في عدن، وكان غلاة الحزب الاشتراكي، قد دمروا اقتصاد الجنوب وصادروا أرزاق الناس، وألبوا المجتمع ضد بعضه البعض، وأدخلونا في احتراب داخلي، وابتدعوا لنا شعارات ما انزل الله بها من سلطان، صدقها السذج من الناس، وهم يعتقدون أنها خلاصهم من آلامهم وفقرهم الذي تسبب به الرفاق، أوهموا الشعب أن أعدائهم هم الإقطاع ورأس المال والاحتكار، بينما لا توجد أصلا في حياتنا مثل هذه المفردات المستوردة وزرعوا الحقد بين فئات المجتمع ،وأشعلوا حرائق واغتيالات في كل مكان وكانت منجزاتهم، أن توسعوا في بناء السجون والمعتقلات، وأعمال القمع والملاحقات، وأقصوا كل الأحزاب والمنظمات العمالية والنقابية ،ورجال الفكر والصحافة والإعلام ،وزعماء القبائل ورجال الدين ،وفعلوا الأفاعيل بشعبنا في الجنوب وأشعلوا الحرب مع عمان، على حدودها  كما اعتدوا على الوديعة السعودية !!!

 وكانت أجهزة إعلامهم تردد صبح مساء شعاراتهم وأناشيدهم الثورية في الوحدة والديمقراطية والاشتراكية العلمية،وحولوا ثلث الشعب إلى جهاز مخابرات ضد بعضه البعض وكان الحصاد مريرا.

 

وفي اليمن الشمالي بعد اغتيال الحمدي، هيمن صالح والمتحالفون معه ،من رجال الدين والضباط على مفاصل الدولة، واخترقت القبيلة مؤسستي الجيش والأمن، وأصبحت حكرا على أبناء المناطق الزيدية، وتم بناء الجيش على التركيبة القبلية ،حتى أصبحت البلاد إمامة دون إمام !!!

ورفض النظام في صنعاء قبول أبناء اليمن الأسفل وتهامة، بحجة الحق التاريخي المتوارث لهم من غلاة القبائل الزيدية وبقايا المؤسسة الدينية، التي عرفت لاحقا بحزب الإصلاح الذي دعم بقراراته الظالمة وتفرقته المقيتة وبث سمومها بين أبناء الشعب اليمني !!

 

وأصبح أبناء اليمن الأسفل وتهامة مهمشون حتى بات إبعادهم سنة ثابتة، لا تقبل النقض، وباختصار كانت تركيبة الحكم في الشمال هي: تحالف قبلي – ديني – احتكارات اقتصادية – قوى عسكرية وأمنية – شكلت في النهاية هرواة النظام وعصاه الغليظة لكل من يتطاول على تركيبته.

 

"وللحديث بقية وهو ذو شجون"...