قصّة ‘‘النفير‘‘ من اليمن : كيف حجّ ‘‘الجهاديّون‘‘ إلى ‘‘الشام‘‘.. ؟
مع اتّخاذ الحراك الثوري في البلدان العربية طابعاً مسلّحاً، واتخاذه العنف وسيلة لإسقاط الأنظمة وتغيير السلطات، بدأت بلدان "الربيع العربي" تستحيل محجّة لجهاديّي العالم، الذين وجدوا في ظروف ذلك "الربيع"، زمانيّاً ومكانيّاً، فرصتهم الأنسب لتنفيذ مشروعهم، الداعي إلى إقامة "الخلافة الإسلامية". ولم يكن "جهاديّو" اليمن بعيدين عن تلك السيرورة، بل كانوا في لبّها، حتّى غدوا عنصراً رئيساً من عناصر "النفير" إلى "أرض الجهاد". في التحقيق التالي، يستقصي "العربي" جزءاً من عمليّات "النفير" تلك، التي شهدتها خطوط اليمن-سوريا، وكذلك خطوط اليمن-ليبيا، منذ العام 2011، وحتى العام 2014.
الإنسحاب من أبين
بعد خروج جماعة "أنصار الشريعة"، الموالية لتنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" من محافظة أبين، منتصف العام 2012م، في صفقة لم يُكشف عن تفاصيلها، أو عن الشخصيّات التي أبرمتها، من الجانب الحكومي أو من "القاعدة"، أظهرت الصور التي وزّعتها الجماعة، إثر انسحابها من المدينة، عشرات الأطقم العسكرية، وعلى متنها مئات المقاتلين، يغادرون جعار -معقل الجماعة لعامين كاملين- وهي تتّجه شرقاً صوب محافظتي شبوة وحضرموت. ولم تفصح الجهات الرسمية اليمنية، حينها، عن وجهة أولئك المقاتلين، بل تركت الباب مفتوحاً للتأويلات والإجتهادات.
بعد شهر واحد من انسحاب مئات المقاتلين من جماعة "أنصار الشريعة" من أبين، تسرّبت أو سُرّبت بعض بنود تلك الصفقة، التي تمّت بين الجماعة وبين الحكومة اليمنية. قضى أوّل بنودها بـ"السماح لمقاتلي القاعدة بالخروج الآمن من مدينتي جعار وزنجبار في محافظة أبين، والتوجّه إلى بلدة المحفد الجبلية"، التي ظلّ التنظيم يقيم فيها معسكراً ومراكز تدريب حتّى العام 2014م، وهي المعسكرات ومواقع التدريب نفسها التي استهدفتها طائرة، يُعتقد بأنّها أمريكية بلا طيّار، منتصف أبريل 2014م، موقعة عدداً من القتلى والجرحى في صفوف مسلّحي التنظيم.
الخروج الكبير
نهاية العام 2012م، كانت الحرب في سوريا قد توسّعت، وتعدّدت أطرافها، محدثة مزيداً من الدمار والخراب، وأضحت الجماعات المسلّحة الجهادية، هناك، طرفاً رئيساً فيها. كان الوصول إلى سوريا، حينها، يحتاج جهداً وتعاوناً كبيرين، وتنسيقاً على مستوى عال. متطلّبات تكفّلت بتأمينها قيادات عسكرية وحزبية يمنية، تقاطعت مصالحها، ظرفيّاً، مع مصالح الجماعات الجهادية. وقد وثّقت تقارير أممية واستخباراتية دولية ارتباط تلك القيادات بالعناصر "الجهادية "؛ كما أن كثيراً من الأموال والأسلحة، التي تصل إلى "الجهاديّين"، مصدرها الرئيس الشواطئ والمطارات اليمنية؛ ولطالما ضبطت سفن دولية، تقوم بدوريّات حراسة في المياه الإقليمية اليمنية وفي مضيق باب المندب، عمليّات تهريب من هذا النوع.
تفيد معلومات كشفها عائدون من سوريا، كانوا شاركوا في الحرب مع الجماعات "الجهادية" هناك، أنّه تمّ نقل ما يقارب 300 عنصر من مختلف المحافظات الجنوبية، جوّاً إلى تركيا عن طريق مطار عدن، ومنها الى سوريا، للقتال، بينهم عدد قليل من الأجانب. لم يطل الوقت حتّى أعلن تنظيم "القاعدة" في سوريا، في نهاية العام 2013، مقتل 580 من عناصره من الجنسية اليمنية، في حربه ضدّ النظام السوري وفصائل أخرى.
رقم كبير يمكن القياس عليه لتصوّر عدد المقاتلين اليمنيّين الأحياء، في صفوف "القاعدة" أو غيرها من التنظيمات كـ"الدولة الإسلامية" مثلاً .
*- عبدالخالق الحود – مراسل صحفي .. عدن