قال كاتب وناشر ومحلل سياسي : خلال خمسة وعشرين عاماً، صدّر الشمال إلى الجنوب كلّ الموبقات، التي لم يكن الجنوبيّون قد تشرّفوا بمعرفتها؛ الفساد بكلّ صوره من نهب ولصوصية ورشوة. كما صدّر الإرهاب والأمّية، وأحيا ثقافة الثأر المندثرة، بل ودعم وشجّع فساد رجال الدين، الذين تجاوزوا في فسادهم وعبثهم كلّ فساد.
وقال الكاتب منصور صالح في موضوع نشره موسوم بـ "جنوب اليوم ضحية أبنائه" أن الشمال لم يغادر الجنوب، إلّا بعد أن نجح في إفساده وتدمير الكثير من قيم وأخلاق المجتمع فيه .
"شبوه برس" يعيد نشر الزميل منصور صالح :
لم يعد الشمال لوحده مشكلة الجنوب. جلّ ما يحدث ويعاني منه الجنوب، اليوم، ومنذ تحرير محافظاته، هو صناعة جنوبية خالصة، ويصنعها جنوبيّون، بعضهم عن قصد وإصرار، وبعضهم الآخر عن جهل وغفلة وضياع.
الإرهاب جنوبي وأدواته جنوبية، وإن كان مدعوماً من الشمال، وبتشجيع من نخب الشمال السياسية والدينية. والفساد المستشري في كلّ مكان، وان كان عدوى شمالية، إلّا أنّه بات جنوبيّاً، بل إن التلميذ الجنوبي بالأمس في أكاديمية الفساد الشامل ربّما قد تفوّق اليوم على معلّمه الشمالي، وفي وقت قياسي.
خلال خمسة وعشرين عاماً، صدّر الشمال إلى الجنوب كلّ الموبقات، التي لم يكن الجنوبيّون قد تشرّفوا بمعرفتها؛ الفساد بكلّ صوره من نهب ولصوصية ورشوة. كما صدّر الإرهاب والأمّية، وأحيا ثقافة الثأر المندثرة، بل ودعم وشجّع فساد رجال الدين، الذين تجاوزوا في فسادهم وعبثهم كلّ فساد.
اليوم، وبعد أن أُجبر رموز الشمال على مغادرة الجنوب أجساداً، وبات الجنوبيّون يديرون شؤونهم بأنفسهم، وبدلاً من أن يتحقّق للناس ما كانوا يعتقدون أنّهم قادرون على تحقيقه بمجرّد الإنعتاق من حكم صنعاء، إلّا أن الصدمة كانت كبيرة، إذ ظلّ الحال هو ذات الحال إن لم يكن أسوأ. والسبب هو أن الشمال لم يغادر الجنوب، إلّا بعد أن نجح في إفساده وتدمير الكثير من قيم وأخلاق المجتمع فيه، وطمس ثقافة ومدنية شعب ودولة، حتّى لكأنّها لم تكن هناك دولة ذات يوم.
المسؤولون الفاسدون العاجزون عن إدارة مؤسّساتهم في الجنوب هم جنوبيّون، فاقوا وتجاوزوا في فسادهم ما كان يفعله مسؤولو صالح، الذين كان يكافئهم بمناصب إدارية في الجنوب لتحسين أوضاعهم. والأكثر إيلاماً أن تسمع رجلاً مسنّاً يحدّثك بحنين لذلك المسؤول السابق، القادم من تعز أو حجّة أو المحويت، قائلاً بألم: "صحيح كانوا سرق، بس على الأقلّ كانوا يخارجوك، أصحابنا سرق ومبهررين ويضيّعوا حقّك".
الشمال لم يغادر الجنوب، إلّا بعد أن نجح في إفساده وتدمير الكثير من قيم وأخلاق المجتمع فيه
الأحزاب التي تمارس الفساد وتزرع الإرهاب في الجنوب هي أحزاب جنوبية ولم تأت من المرّيخ. انتماؤهم لأسيادهم وأولياء نعمهم، من مشائخ الفساد والإرهاب، مقدّم على انتمائهم لآبانهم وأطفالهم وأهلهم، ناهيك عن مجتمعهم وشعبهم.
الموظّفون في المرافق التي تتلذّذ بمعاناة المواطن، في أهمّ ما يتعلّق بحياته، في الكهرباء والبريد والمياه وغيرها من مؤسّسات الدولة، هم موظّفون جنوبيّون. كان بعضهم وما زال، حتّى اللحظة، يرفع علم دولة الجنوب على منزله وسيّارته ومكتبه، مصرّاً على عودة هذه الدولة المنشودة باعتبارها دولة النظام والقانون والعدالة.
الوزراء الذين ينهبون الجنوب ويستأثرون بالدعم الخليجي لوزارتهم لمصلحتهم ومصلحة أسرهم أغلبهم جنوبيّون، نهبوا في أقلّ من عام ما نهبه الفاسدون من وزراء الشمال في أعوام. والمضحك حتّى البكاء أن أحدهم دخل مع قوّات صالح في عام 94م، وكانت وجهته مبنى كبيراً لإحدى السفارات العربية، ثمّ دخل مع قوّات هادي قي 2015م لتكون وجهته الأولى هي البسط على مبنى سفارة أجنبية سابقة تجاور السفارة الأولى؛ ووزير آخر وظّف كلّ أسرته بدرجة مدير عام في ديوان الوزارة وفروعها في الجنوب.
فساد وتراجع مستوى التعليم في المدارس والجامعات يقف خلفه مسؤولون ومعلّمون وأكاديميّون جنوبيّون. إن شاء لك قدرك العاثر أن تقابل أحدهم أو تستمع إليه لشعرت بخوف مريع على مستقبل أطفالك ووطنك وأمّتك، إذا كان هؤلاء هم من سيتولّى تعليمهم وصناعة مستقبلهم.
الشباب الفوضوي والمحشّش، الذي يطلق الرصاص العشوائي ليلاً في قلب مدينة مكتظّة بالسكّان، ويسير حافي القدمين مرتدياً، وعن عمد، بنطالاً ممزّقاً لا يكاد يستر عوراته، هم أيضاً شباب جنوبيّون.
الجنوب اليوم بات في أيدي أبنائه، ومهما كان دور الشمال في هذا الخراب الذي لحق بالجنوب أرضاً وإنساناً، إلّا أن ذلك لا يعفي الكثير من الجنوبيّين من ذنب أنّهم كانوا وما زالوا أدوات كلّ هذا العبث ومنفّذيه، وأنّهم يحتاجون إلى ثورة أخلاقية وثقافية شاملة، تعيد إليهم قيمهم وتوازنهم.