نعم وقفَ إطلاق النار في غزة لن يتم بقرار سياسي ولا بمواقف عربية أو إسلامية أو حتى دولية. السبيلُ الوحيد لوقف إطلاق النار هي بنادق المقاومة وتكبيد العدو الصهيوني مزيدا من الخسائر.
وقف إطلاق نار لن يتم بضغوط خارجية على الكيان أو الولايات المتحدة من العرب أو المسلمين أو من غيرهم، إنما سيكون بسبب فداحة الخسائر التي ستتكبدها قوات الاحتلال في شوارع غزة وفي اللحظة التي يعرف فيها العدو الصهيوني أنه دخل متاهة المقاومة ولن تخرج قواته منها سالمة، فقط وفي هذه اللحظة سيقبل بوقف إطلاق النار!!
صحيح أنّ هذا المحتل الغاصب يكون قد دَمَّر ولم يترك وسيلة إلا استخدمها لتحقيق أهدافه، إلا أنَّه في آخر المطاف سيخرج من غزة مُنكسِرا ذليلا غير قادر على العودة مرة أخرى مُعترِفا بهزيمته على كافة الجبهات.. ليس في ذلك أدنى شك.. كلَّما ازدادت همجية العدو تَبَيَّن أنه خسر المعركة وفشل في تحقيق أهدافه، وكُلَّما بَدَا أعمى في عدوانه تبيَّن أنه فقد بوصلته، وهو الذي يحدث الآن في غزة.. الشعبُ الفلسطيني يقاوم بإرادته قبل سلاحه، وبصبره وثباته وعزته قبل وسائله.. وهو معدوم السلاح يقاوم، وهو في أشدِّ قمة المعركة يصمد، وهو يرى ميزان القوة في غير صالحه لا يبالي ويبقى واثقا من النصر.. وهو الأمر الذي لا يمكن للعدو الصهيوني إدراكُه.
لقد انتهت مرحلة “الانتصارات” التي كانت تتحقق فقط بسبب التفوق العسكري أو المخابراتي.. كلاهما هذه المرة سقط، لا السلاح أفاد الاحتلال لحماية نفسه ولا الاستطلاع مكّنه من ذلك.. هذه أسابيع وهو يحاول دخول مدينة محاصَرة مهدَّمة بالطيران، بلا جدوى، وهذه أسابيع وهو يحاول اكتشاف نفق واحد تحت الأرض دون جدوى، وهذه أسابيع وهو يحاول أسْر مقاوم واحد دون جدوى.. وهذه أسابيع وهو يحاول تحرير أسير واحد من أسراه دون جدوى رغم كثافة نيرانه وتفوقه الجوي التام والدفع بقوات النخبة لديه لمواجهة الموقف وتحريك كافة قواعده السرية وقواعد حلفائه بدون جدوى.. بيده سلاحٌ واحد هو قتل المدنيين، استقوى على مواقع واحدة هي المستشفيات ودور العبادة، تمكّن من هدف واحد وهو مساكن الأبرياء بالمخيَّمات والأحياء السَّكنية… ما الذي حققه خلاف ذلك؟ لا شيء… لذلك فإنه سيُضطر اضطرارا إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والخروج من قطاع غزة ذليلا مُنكسرا.. ولن تكون الخسائر التي تسبَّب فيها من أرواح بريئة للمدنيين والأطفال والشيوخ والنساء سوى وصمة عار على جبينه تحفظها ذاكرة الأمم كما حفظت عار كل استعمار همجي خرج مثله مذموما مدحورا بعد أن عاث في الأرض فسادا.. إنها النهاية التي نراها رأي العين ولا نرى غيرها: من عمق المأساة يتجلى النصر، ومن عمق العَتَمة يبرُز النور.. رأيناه قبل عقود من الزمن في الجزائر، وسيراه إخوة لنا في فلسطين اليوم قبل الغد.. وما كلام الساسة في قِممهم، وتخطيط الغرب المستمرّ عبر دوله ومنظماته، إلا محاولاتٌ يائسة لوقف المسار المُسطَّر بسلاح المقاومة ودمائها… وما كاد أحدٌ يثق بأن البندقية في حروب التحرير في الجزائر وفيتنام ستتفوّق في الميدان على الدبابة والطائرة والصاروخ.. وهذا الذي يحدث اليوم في غزة..
ينبغي ألا تُثبِّط عزائمنَا خطبُ السياسيين الجوفاء، أو مطالبهم الجزئية المحدودة، أو استجداؤُهم للغرب غير المستجاب.. هناك فلسطينيٌّ يقف على أرضه شامخا ببندقيته وكبريائه وعزَّته يصنع نصره بيده وسيجبركم على وقف إطلاق النار.
د . علوي عمر بن فريد