*- شبوة برس - عبدالمجيد زبح
منذ احتلال الإمامة لتهامة وسلب قرارها بقوة السلاح، دخلت هذه تهامة مرحلة جديدة من التهميش والإقصاء. استمرت الإمامة في السيطرة على تهامة وتحويلها إلى منطقة خاضعة لإرادتها، فكان أبناء تهامة يُعامَلون وكأنهم عاجزون عن حكم أنفسهم أو اتخاذ أي قرار يتعلق بمصيرهم. استمر هذا الوضع القاسي لعقود، وتعمق الإقصاء في كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأبناء تهامة.
بعد ثورة 26 سبتمبر التي كان يُفترض أن تكون نقطة تحول لإنهاء حقبة الإمامة، تغيرت الأسماء والشخصيات، ولكن الجوهر ظل كما هو. لم يتغير شيء في الواقع الميداني لتهامة؛ فقد استمر الإقصاء والتحكم المركزي في كل تفاصيل حياتها. أصبحت تهامة وكأنها منطقة محرومة من حقوقها، وخضعت لسلطة مركزية تُدار من قبل الهضبة الشمالية، وكأن أبناء تهامة قاصرون لا يستطيعون إدارة شؤونهم.
في فترة صالح، تعمقت هذه السياسة بشكل أكبر. رغم الإعلان عن قانون السلطة المحلية الذي كان من المفترض أن يمنح المحافظات مزيداً من الاستقلالية، إلا أن الواقع كان مختلفاً تماماً. كانت السلطة الحقيقية في تهامة لا تزال بيد المركز، حيث كان يتم تعيين محافظين من الهضبة بغرض إبقاء القبضة الحديدية على المنطقة. كان أمثال الخاوي وشملان وغيرهم يُعينون حكاماً على تهامة، بينما كان أبناء هذه الأرض يُعتبرون غير مؤهلين لتولي زمام الأمور في منطقتهم.
هذه السياسات المتعمدة جعلت أبناء تهامة يعيشون حالة من الإقصاء المستمر. كانت تهامة غنية بمواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي، ولكن أهلها ظلوا يُعاملون وكأنهم غير قادرين على الاستفادة من هذه الموارد، وتم تحويلهم من مُلاك للأرض إلى مجرد عمال فيها. هذا الإقصاء لم يكن مجرد فشل إداري أو سوء إدارة، بل كان استراتيجية تهدف إلى إبقاء السيطرة الكاملة على تهامة وتجريد أبنائها من أي سلطة أو نفوذ.
حتى أولئك الذين كانوا يُعيّنون من أبناء تهامة في المناصب القيادية، كانوا يُجردون من أي صلاحيات حقيقية. كان مسئول تهامي في منصبه لا يملك حتى القدرة على شراء قلم أو دفتر لمكتبه دون الرجوع إلى المركز وطلب الإذن. كانت هذه الصورة الرمزية لإهانة أبناء تهامة وتحقيرهم واضحة في كل مستويات الحكم. كانت سلطتهم مجرد واجهة، بينما القرار الفعلي لا يزال بيد القوى المتنفذة من خارج المنطقة ومايزال .
لم يكن الهدف من هذه السياسات مجرد السيطرة على تهامة، بل تحويلها إلى منطقة مهانة ومفقرة، حيث يتم تجهيل أبنائها وتعمد إبقائهم في حالة من العجز المستمر. الإفقار المتعمد كان واضحاً من خلال حرمان المنطقة من التنمية والخدمات، وجعل أبنائها يعتمدون بشكل كامل على المركز. تم تجريد أبناء تهامة من حقوقهم في أرضهم، وتحويلهم إلى أدوات بيد القوى المتنفذة التي كانت تستفيد من ثروات المنطقة دون أن تمنح أهلها أي فرصة للاستفادة منها.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد. بل يتم تنظيم حملات تشويه ممنهجة ضد أبناء تهامة، حيث تجمع التبرعات باسمهم في الخارج، وكأنهم مجرد متسولين لا يملكون القدرة على تحسين أوضاعهم. هذه الحملات تُدار من قبل شخصيات معروفة، بعضها يقيم في الخارج، وهي تتبع الهضبة والهدف من هذه الحملات ليس فقط جمع الأموال، بل تشويه صورة أبناء تهامة وإظهارهم بمظهر الضعفاء الذين يحتاجون إلى المساعدة المستمرة.
ورغم كل هذه السياسات، إلا أن أبناء تهامة اليوم بدأوا يدركون حقيقة المؤامرة التي تُحاك ضدهم. الوعي يتزايد بينهم بأن ما يجمعهم ببقية اليمن هو مجرد الجواز، وأنهم بحاجة إلى استعادة حقوقهم التاريخية والسيطرة على مواردهم. هذا الشعور المتنامي بالظلم لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فتهامة تستحق أن تعود إلى مكانتها الطبيعية كواحدة من أهم الجغرافيا في المنطقة ، ليس فقط بموقعها الاستراتيجي وثرواتها، بل بقدرة أبنائها على إدارة شؤونهم بأنفسهم.
إن ما يحدث في تهامة اليوم هو استمرار لما بدأ منذ احتلال الإمامة، واستمر حتى بعد ثورة 26 سبتمبر، ومروراً بحكم صالح وحتى اليوم. كل هذه الفترات شهدت سياسات ممنهجة للإقصاء والإفقار والتجهيل، والهدف هو إبقاء تهامة تحت السيطرة المطلقة، وكأنها لا تستحق حقوقها الطبيعية في تقرير مصيرها. ولكن التاريخ يعلمنا أن الظلم لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، وأن الشعوب التي تعي حقوقها ستنهض في النهاية لتستعيد مكانتها الطبيعية.