تمر قضيتنا الجنوبية بمرحلة حساسة تتطلب من الجميع التحلي بالحكمة والوعي أمام محاولات جرّنا إلى مربعات الصراع الداخلي، وهو الأمر الذي لن يكون في مصلحة أحد. فمن الواضح أن زيارة الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى حضرموت أثارت قلق البعض، خاصة عندما تحدث بصراحة عن واقع المحافظة والتحديات التي تواجهها. ومن المؤسف أن يُفسَّر حديثه على غير حقيقته، وكأن هناك استهدافًا لحضرموت وأهلها، بينما الحقيقة أنه كان حديثًا صريحًا، يعكس ما يراه الجميع بأعينهم، ولا يستطيع أحد إنكاره.
حضرموت.. جزء من نسيجنا الجنوبي المتين
نؤكد لأهلنا في حضرموت – وأشدد على كلمة "أهلنا" – أننا جزء لا يتجزأ من هذا النسيج المتين، تربطنا أواصر القربى وصِلات الرحم، ونتشارك التاريخ والمصير المشترك. لم تكن حضرموت يومًا بمعزل عن الجنوب، ولن يكون الجنوب دونها مكتملًا، وما يؤلمها يؤلمنا، وما يمسها يمسنا جميعًا. إن كل محاولة لزرع الشكوك بيننا لن تجد طريقًا إلا إلى الفشل، لأن العلاقة بين عدن وحضرموت، وسائر مناطق الجنوب، ليست علاقة مصلحة عابرة، بل علاقة دم وهوية وانتماء.
تهديدات غير مقبولة.. ورسالة سلام لا استسلام
وإلى أولئك الذين يطلقون التهديدات ضد عدن والجنوب نقول: لسنا في معركة بين أبناء البيت الواحد، ولن نكون يومًا في مواجهة مع أهلنا، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن القبول بأن يُرفع السلاح في وجه الجنوبي من قبل أخيه الجنوبي. إن من يحاول اليوم تصدير خطاب التخوين والوعيد، عليه أن يسأل نفسه: لمصلحة من هذا التصعيد؟ وهل حقًا سيكون في صالح حضرموت أو الجنوب؟ التاريخ علمنا أن من يشعل الفتنة لا يلبث أن يحترق بها، ومن يتخذ لغة التهديد وسيلة لتحقيق أهدافه، فإنه يعزل نفسه عن محيطه قبل أن يعزل الآخرين.
رمضان.. شهر التراحم لا الفتن
نحن اليوم في شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والتكافل، فكيف لنا أن نحمل في قلوبنا أحقادًا تُفرق ولا تجمع، وتُفسد ولا تُصلح؟ علينا أن نُدرك أن الطريق الوحيد للمضي قدمًا هو طريق التراحم والتآخي والتعاون، وليس طريق الفرقة والاحتراب.
إن محاولات البعض لشيطنة المجلس الانتقالي الجنوبي وقيادته، بل وحتى شيطنة عقلاء الجنوب، ليست سوى محاولات يائسة لإذكاء نار الفتنة، خدمةً لأجندات لا علاقة لها بمصلحة حضرموت أو الجنوب. ولنتذكر أن هناك من يسعى اليوم لإشعال نيران الخلاف بين أبناء الجنوب، لا لشيء إلا ليحصل على مكاسب آنية، ولو تمكن من تحقيق أهدافه فلن يلتفت إلى من استخدمهم أدواتٍ لمشروعه، كما حدث سابقًا في مراحل من تاريخنا القريب.
المجلس الانتقالي.. رؤية نحو المستقبل لا الماضي
المجلس الانتقالي الجنوبي لم يأتِ ليخلق انقسامًا بين الجنوبيين، بل جاء ليحمل مشروعًا سياسيًا واقعيًا يحمي الجنوب من الفوضى التي تحاول بعض القوى فرضها. لا يمكن تجاهل دور الانتقالي في الحفاظ على أمن الجنوب واستقراره، ولا يمكن إغفال أنه الكيان السياسي الذي يحمل على عاتقه مشروع استعادة الدولة، برؤية واضحة وشراكة وطنية تجمع كل المكونات والأطياف.
دعوة للحوار والتفاهم
ختامًا، نوجه رسالة إلى كل أبناء الجنوب، في حضرموت وعدن وكل المناطق، أن قوتنا تكمن في وحدتنا، وأن الانجرار وراء خطاب الكراهية والتحريض لن يخدم إلا من يريد لنا التمزق والضياع. نحن بحاجة إلى خطاب العقل، إلى التفاهم، إلى أن نحتكم للحوار، فالمستقبل الذي نطمح إليه جميعًا لن يُبنى إلا على أسس من الثقة والتعاون، وليس عبر التهديدات أو محاولات إقصاء الآخر.
حفظ الله حضرموت، وحفظ الله عدن، وحفظ الله الجنوب، من كل من يريد به سوءًا.
كتب:المحامي/جسار فاروق مكاوي
من أبناء عدن العاصمة الجنوبية .
18رمضان 1446هجرية الموافق :18/3/2025