صورة تعبيرية
*- شبوة برس - بلعيد صالح
بين الشعارات والحقيقة على الأرض تتكشفت النوايا، ولم يعد من الصعب على شعبنا التمييز بين اليد التي تمتد للمساعدة والخنجر المسمومة التي تطعن في النحر تحت غطاء الشراكة والدعم، جاء التحالف الخليجي إلى بلادنا في مارس 2015م، بشعار إعادة الشرعية، ونصرة الشعب لكن وبعد 11عاماً من تدخله نجد واقع الجنوب يقول شيئ مختلف تماماً، بل شيئاً موجعاً وصادماً يمزق نياط القلب
نحن لا نعيش مجرد حرب على الأرض بل نعيش حرباً أشد وطأة، حرب على الكرامة والوعي والحق في الحياة؛ نمتلك الثروات وتحت أقدامنا كنوز من النفط والغاز والمعادن ومع ذلك يجبر الشعب على الركض خلف أبسط مقومات العيش في صورة لا تشبه التحرير أبداً، بل تشبه هيمنة ملثمة ببرقع الدعم
الجنوب ليس فقيراً، ففيه ثروات و منشآت سيادية كان يمكن أن تنقذ اقتصاد البلاد
مصفاة عدن، ميناء عدن، آبار النفط حقول الغاز، مناجم الذهب والمعادن و المواطن يعيش بلا كهرباء بلا ماء بلا دواء بلا راتب بلا تعليم
المصفاة متوقفة، الميناء معطل، التصدير مجمد، والناس تموت ببطء، ولن يجيبك أحد إذا سألت من أوقفهن وعطلهن ولماذا؟
كل ذلك لا يبدو عشوائياً بل يجعلنا نوقن أن هناك قراراً خفياً من جيراننا الذين يدعون الشراكة يقضي بعدم السماح لهذا الشعب أن يتنفس أو ينهض
نعم منشآتنا الاقتصادية تم تجميدها عمداً بينما ثرواتنا كما يبدو تنقل سراً عبر شركات لا نعرف عنها شيئاً ، إلى جهات لا تخضع لأي رقابة أو محاسبة
فهل يعقل أن يعيش الناس فقراً مدقعاً فوق بحر من الثروات،
ما يجري لا يفسر بالعجز الإداري، كما يراد لنا أن نصدق؛ بل هو قوة في الاستغلال، وقصد في الإضعاف
ولننظر إلى الريال المحلي كيف يهوي في القاع والأسعار ترتفع في كل ساعة و الموظف وأستاذ الجامعة والمعلم والطبيب ينتظرون الشهر والشهرين؛ لمنحة هي أصلاً من ثروات شعبهم ؛ كي تجود عليهم الحكومة بفتات لا يكفي لشراء كيس أرز وربما معه كيس سكر في أحسن الأحول
إن سياسة الجيران تقوم على قاعدة واحدة جوع الناس كي تتحكم فيهم، اصرف المال لمن يمتص غضب الشعب، واترك من يحمل القلم أو المشرط ينتظر الإهانة
فهل هذه شراكة
أم وسيلة إذلال وتركيع وتحويل شعب بأكمله إلى تابع لا يملك حتى ثمن رغيف خبزه؟
خلال الأشهر الماضية عايشت معلمين وأساتذة جامعات؛ دخلوا في إضراب طويل لم تلتفت له الحكومة التي شكلها التحالف؛ لا بهدف الحكم بل لامتصاص غضب الشعب؛ إذا ثار ، هكذا يراد من الأستاذ الجامعي والمعلم أن يذهب إلى مدرسته أو جامعته، وهو لا يملك حتى أجرة المواصلات
أقولها بمرارة ما يحدث للتعليم في الجنوب هو جريمة مستمرة، فلا توجد دولة تهمل التعليم عشوائياً؛ بل تفعل ذلك حين تريد أن تصنع شعب مشغول بالجري خلف لقمة العيش، لا يفكر ولا يعارض لا يسأل ولا يطالب
أكاديمي ومعلم بلا راتب يساوي جيلاً بلا تعليم ولا وعي ولا أمل، وهكذا تموت المدارس والجامعات كما يموت الوطن في صمت
ويزداد وجع شعب الجنوب حين يعلم أن الحكومة و معظم قيادات البلاد مكبلة بقيود التحالف، لا تعيش على أرض الوطن ، هكذا أرادها التحالف، قيادة بعيدة عن شعبها تتحرك من فندق إلى آخر ربما تفاوض وتصرح، لكنها لا تشعر بوجع المواطن، ولا بتوقف الجامعة أو المدرسة، ولا بجري المواطن خلف أسطوانة غاز ، ولا تشعر بلسع الحر ولا بظلمة الليل في بيت بلا كهرباء ولا بتلميذ يذهب إلى مدرسته ولا يجد معلماً كما لا يجد فطوراً أو كراسة، ولا بأسرة تبحث عن قرص من الرغيف
ما نعيشه اليوم ليس مجرد مرحلة صعبة بل مرحلة من المهانة، مرحلة يذل فيها المواطن وتنهب فيها الثروات وتفكك فيها الدولة ويشغل الناس بالجوع بدلاً من المطالبة بالحق
لكن عليهم أن يعلموا أن الجنوب لم يخلق ليبقى تابعاً لأحد، وهذه دعوة إلى الوعي دعوة لكل النقابات ومنظات المجتمع المدني، لكل الأكاديميين لكل المعلمين لكل صوت حر في هذا الشعب أن ينهض من تحت الركام ويقول للعالم نحن هنا نعرف من نهب ومن صمت ومن تواطأ ولن نصمت".