تشهد البعثات والسفارات اليمنية في عدد من دول العالم أزمة متصاعدة تهدد قدرتها على مواصلة العمل، في ظل تحديات مالية وإدارية مزمنة أثرت بشكل مباشر على أدائها خلال الأشهر الأخيرة.
وبحسب ما أفاد به الصحفي فارس الحميري نقلًا عن مصادر دبلوماسية، فإن معظم البعثات الدبلوماسية اليمنية تعاني من توقف صرف رواتب موظفيها منذ مايو 2024، في حين توقفت رواتب العاملين المحليين، وغالبيتهم من جنسيات الدول المضيفة، منذ أكثر من تسعة أشهر، الأمر الذي دفع بعضهم إلى اللجوء للإجراءات القانونية ضد البعثات التي يعملون بها.
وأشارت المصادر إلى أن السفارات لم تتسلم موازنات تشغيلية منذ مطلع عام 2025، ما أدى إلى تقليص خدماتها الدبلوماسية والقنصلية بشكل كبير، وسط تحذيرات من احتمالات توقف بعض البعثات عن العمل كليًّا خلال الأسابيع المقبلة.
في السياق ذاته تواجه الوزارة انتقادات بشأن ما وصفه بعض الدبلوماسيين بـ"إجراءات إدارية أربكت عمل البعثات"، من بينها قرارات استدعاء عدد من الدبلوماسيين من الخارج إلى مقر الوزارة في عدن، دون توفير ترتيبات مالية أو إدارية مناسبة، مما تسبب في فراغ وظيفي داخل بعض السفارات. ووفقًا للمصادر، لم يتسلم بعض هؤلاء الدبلوماسيين مستحقاتهم منذ عودتهم، ما دفع عددًا منهم للاستقرار في دول المهجر.
كما أثارت قرارات تعيين مسؤولين ماليين في عدد من البعثات استغراب موظفين حاليين وسابقين، في ظل غياب الميزانيات التشغيلية، حيث اعتبرت المصادر هذه الخطوة غير منسجمة مع الأولويات الفعلية للعمل الدبلوماسي، الذي يفتقر حاليًا إلى الكوادر المؤهلة والخبرات الفنية.
إلى جانب ذلك، كشفت المصادر عن توجيهات صدرت عن قيادة وزارة الخارجية بنقل موظفين من وزارات أخرى للعمل ضمن السلك الدبلوماسي دون اتباع الإجراءات القانونية، وهي خطوة اعترضت عليها وزارة الخدمة المدنية بموجب مذكرة رسمية، اعتبرت فيها تلك التعيينات غير قانونية.
وتأتي هذه التطورات امتدادًا لسلسلة من الإجراءات التي طالت الكادر الدبلوماسي خلال العام الماضي، من بينها إنهاء عقود عدد من الموظفين والدبلوماسيين، مما أدى إلى تقليص كبير في عدد العاملين المؤهلين في بعض البعثات.
ويرى مراقبون أن هذه التحديات المتداخلة، سواء المالية أو الإدارية، تسببت في تراجع ملحوظ في الحضور الدبلوماسي اليمني على الساحة الدولية، في وقت تواجه فيه البلاد أزمات سياسية وإنسانية تتطلب تفعيل أدواتها الخارجية وتمثيلها الفاعل في المحافل الإقليمية والدولية.
ودعا دبلوماسيون سابقون وعدد من العاملين في القطاع الخارجي إلى فتح تحقيق شفاف حول أداء وزارة الخارجية خلال الفترة الماضية، ومراجعة السياسات الإدارية التي أضعفت أداء البعثات، إلى جانب الإسراع في صرف الرواتب واستعادة الكفاءات المؤهلة.
من جانب آخر تباينت الآراء بشأن مستقبل البعثات. ففي تعليق له، أشار الصحفي سفيان جبران إلى أهمية تقليص أعداد العاملين في السفارات، والاعتماد على وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل الأتمتة والمنصات الرقمية لإنجاز المعاملات، واقترح إغلاق بعض السفارات في الدول التي لا توجد فيها جاليات يمنية كبيرة أو نشاط دبلوماسي ملحوظ.
أما الكاتب والأكاديمي معن دماج، فقد أشار إلى ما وصفه بـ"تراجع عام في الاهتمام بالدبلوماسية"، لافتًا إلى وجود تصورات غير دقيقة لدى بعض النخب حول طبيعة وعدد الدبلوماسيين اليمنيين في الخارج. وأوضح أن ضعف الإمكانيات وغياب الطواقم المؤهلة من أبرز العوامل التي حدّت من قدرة الدبلوماسية اليمنية على تحقيق إنجازات خلال السنوات العشر الماضية.
*- شبوة برس - «الأيام»