النائحات المستأجرات

2025-08-05 08:43

 

بعد أن كان السواد الأعظم من الناس يكادون يتنفسون الرمق الأخير من سياسات التجويع القاتلة حتى لمسنا بعضا من إجراءات حكومية تضع حدا للموت جوعا الذي اخذ ينتشر بين الناس من خلال فرملة الانفلات النقدي الذي أفقد العملة المحلية معظم قدرتها الشرائية لدرجة أن أصبحت مجرد ورق (كلينكس) عليها نقوش أغلى من قيمتها.

 

استبشر المواطن خيرا، لكن اختصاصيي الولولة والنواح مسبق الدفع استلوا أقلامهم وفتحوا أفواههم دفاعا عن المستوردين المساكين وصناع (السرطنة) ممن يسمونهم الرأسمال الوطني الذين لا يملكون من الوطنية إلا الاسم، ويكاد أحدنا يجزم أنهم لا يأكلون مما يصنعون.

 

النائحات المستأجرات الذين يطلقون على انفسهم خبراء لم نسمع لهم صوتا يقدم حلولا تمس السواد الأعظم من الناس الذين يذرفون الدموع حين يصرخ أطفالهم جوعا ويعتصر قلوبنا الألم حين نسمع بكاء طفل لأن أهله لا يملكون ثمن الحليب لدرجة يجعلنا نتساءل، أين يعيش هؤلاء، هل يعيشون في الواقع الذي نعيشه أم هم في زمن آخر أو في جغرافيا أخرى؟

 

صناعة الفقر في الجنوب هي الوسيلة التي سلبت الإنسان الجنوبي القدرة على الإبداع الفردي منذ تأميم أملاك الناس وطرد الرأسمال الوطني الجنوبي، ثم جاء غزو 1994م ليدمر نواة صناعة وطنية، خاضعة للرقابة، باسم الخصخصة ولغير ذوي اختصاص.

 

خلال سنوات الحرب الممتدة منذ 2015م إلى الآن ذاق الإنسان في الجنوب أقسى تجويع، هذا بخلاف صور المعاناة الأخرى، واضطر الناس إلى بيع مقتنياتهم بتراب الفلوس وصل حد بيع أثاث منازلهم ليطعموا أطفالهم، ولا يعتقد أحد أن الأمر اقتصر على المدن، فحتى في الأرياف باع الناس أرضهم الزراعية لوافدين غرباء، ومن أراد أن يتأكد فليغادر برجه العاجي ويزور أرياف الجنوب.

 

خلال سنوات الحرب صنع تجار الحروب والأزمات ثروات من رواتب ونثريات دولارية ومن الفساد المعلن، عجزت الأجهزة عن محاسبة فاسد واحد من تنابلة السلطة ولصوصها، وتحفز الناس ليحذون حذو حضرموت التي كانت سباقة في الحراك الجنوبي في 1997م، لكن الإجراءات الحكومية الأخيرة بشأن العملة طمأنت الناس وجعلتنا نشعر (إن في الساحة رجال) وأن روح التصدي للفوضى وللتلاعب بأقوات الناس لا زالت حاضرة.

 

نشد على أيديكم يا من تصدرتم المشهد، وأمامكم مهام أخرى نريد التصدي لها بنفس الصلابة وستجدون كل شرفاء الوطن إلى جانبكم في مواجهة النائحات بالأجر، وتذكروا قول المتنبي الشاعر:

 

ووضع الندى في موضع السيف بالعلى.

مضر كوضع السيف في موضع الندى.

 

هامش:

هناك أكثر من فهم لقول الشاعر المتنبي لكن الفهم الذي قصدناه هو أن السلطة المتراخية في مواجهة الأزمات تفقد قيمتها كما يفقد السيف حدته اذا وُضع في موضع رطب.