في مشهدٍ يكشف حجم العبث والانهيار الأمني المتعمد، اقتحمت صباح أمس الأربعاء مجاميع مسلّحة من قبائل الجوف السجن المركزي وإدارة الأمن بمديرية القطن بحضرموت عنوةً وبكل وقاحة وغطرسة، وأطلقت سراح عدد من الموقوفين بقضايا إرهابية، في واقعة تواطأ فيها بوضوح عدد من عناصر الأمن والجيش، بصمتهم، أو تسهيلهم المباشر لهذه الجريمة. المضحك المبكي في هذه الحادثة، أن المقتحمين ومن أُطلق سراحهم، عادوا إلى مناطقهم في الجوف، متجاوزين أكثر من عشرين نقطة أمنية وعسكرية دون أن تعترض طريقهم طلقة رصاص واحدة، وكأنهم يعبرون أراضيهم الخاصة تحت حماية رسمية، لا دولة فيها ولا قانون. فأين تلك العروض العسكرية والعراضات الوهمية التي رأيناها في شوارع تريم؟
أين تلك الأطقم التي داهمت بيوت المدنيين فجر الخميس وجمعة الغضب؟ أين ذهبت القوة التي تُستخدم فقط لقمع الحراكات السلمية الحضرمية، وملاحقة الشباب الذين لا يحملون سوى صوتهم وحقهم في التعبير؟ أين كانت تلك القوات عندما شنّت المنطقة العسكرية الأولى حملة اعتقالات واسعة ضد شباب سيئون والقطن العائدين من تظاهرات سلمية في تريم؟
أم أن القبضة الحديدية لا تُرفع إلا على أبناء حضرموت، بينما تُسدل الستائر وتُفتح الأبواب لمن يأتي من خارجها مدججاً بالسلاح ويهاجم مؤسسات الدولة ويطلق الإرهابيين بلا رادع؟ أين اختفت خطب "الهيبة" و"الردع" التي تفتّقت في شوارع تريم؟
أم أن تلك الغطرسة لا تظهر إلا حين يكون الضحية حضرمياً أعزل، لا يحمل بندقية، بل يحمل قضية؟ ما حدث في القطن ليس مجرد خرق أمني، بل فضيحة مكتملة الأركان، تُدين كل المتواطئين الصامتين، وتثبت أن حضرموت تُدار كمنطقة مستباحة، يُقمع فيها ابنها، ويُكرَّم الغازي، ويُستهدف السلمي، ويُؤمَّن المعتدي. لكننا نقولها بصوتٍ واضح:
حضرموت ليست أرضاً سائبة، ولن تبقى صامتة طويلاً. والتاريخ لا يرحم من خان، ولا يغفر لمن تواطأ.