بين جوع العمال وصمت النقابات.. حكاية الرواتب المؤجلة

2025-09-09 22:10
بين جوع العمال وصمت النقابات.. حكاية الرواتب المؤجلة
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- شبوة برس -  وضاح قحطان الحريري

تحت شعارات ظاهرها الرحمة وباطنها الخداع يعيش الجنوبيين  في مأساة إنسانية قاسية بعدما توقفت مرتباتهم لأكثر من أربعة أشهر متتالية. المدارس أغلقت أبوابها، الأطفال حُرموا من حقهم في التعليم، فيما بات المعلمون والجنود بين مطرقة الجوع وسندان الوعود الكاذبة التي لم تعد تطعم بطون أبنائهم الجائعة. وفي خضم كل هذا، يظل صمت النقابات لافتًا، وكأن معاناتهم ليست قضية تستحق رفع الصوت والمطالبة بالحقوق.

 

الجندي محمد ع. يقول بحسرة: "منذ أربعة أشهر وأنا أعود إلى بيتي بخفي حنين. أطفالي ينظرون إليّ وكأنني عاجز عن إطعامهم. كل يوم أسمع أن الشيكات وُقعت، وأن الرواتب ستصرف خلال أيام، لكن الأيام تمضي ونحن بلا أمل. ألسنا بشرًا؟ ألسنا من نحمي هذا الوطن؟".

 

المعلم صالح أحمد يروي معاناته من داخل صفوف شبه خاوية: "أقف أمام طلابي وقلبي يعتصر ألمًا، ليس بسبب ضعفهم الدراسي، بل لأنهم بلا كتب، بلا قرطاسية، وبعضهم بلا غذاء. كيف أشرح وأنا لا أملك ثمن الخبز لعائلتي؟ كيف نواصل التعليم ونحن بلا مرتبات منذ شهور؟ المدارس اليوم أشبه بمقابر صامتة، ونقاباتنا التي يفترض أن تحمينا تلتزم الصمت، وكأن وجودها شكل فقط

وعلى الرغم من هذه المعاناة، ما تزال التصريحات الرسمية من وزارة المالية والبنك المركزي في عدن تكرر نفس الأسطوانة: "الشيكات وُقعت، والصرف خلال أيام". إلا أن مصدرًا مسؤولًا في وزارة المالية كشف أن المجلس الرئاسي يمنح تعليمات مباشرة لمحافظ البنك وبعض الجهات النافذة بهدف تأخير صرف مرتبات العسكريين والمعلمين، في سياسة مدروسة تستهدف إبقاء الشارع تحت السيطرة.

 

وفي الوقت الذي يقتات فيه الجندي والمعلم على الوعود ولا يتجاوز راتبهما 25 دولارًا، يتم تحويل ملايين الدولارات إلى الخارج تحت مسمى "الإعاشة" وبالعملة الصعبة، تُصرف لمتنفذين وأبناء مسؤولين يعيشون في الخارج بأمان ورفاهية، بينما أسر الجنود والمعلمين تبحث في الداخل عن كسرة خبز.

 

إنها ليست مجرد رواتب مؤجلة، بل حياة مؤجلة، كرامة مؤجلة، ومستقبل مؤجل. وبينما يستمر ضخ جرعات التخدير للناس بوعود واهية وضبط للسوق لا يملأ البطون، وبين صمت النقابات الذي يزيد وطأة الألم، يبقى السؤال: إلى متى سيظل الجندي والمعلم رهائن للسياسة، وأبناؤهم بلا تعليم، وأسرهم بلا طعام؟