الجهل في مقعد القيادة: عندما تصبح السلطة أداة للتحطيم

2025-09-19 14:16
الجهل في مقعد القيادة: عندما تصبح السلطة أداة للتحطيم
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

*- شبوة برس – د عادل السريحي

في مسيرة الأمم، لا يُعد الجهل عيبًا في شخصية الفرد بقدر ما هو اختبار حقيقي للمجتمع: هل يرفعه نحو المعرفة أم يتركه يغوص في متاهات التخلف؟ لكن الخطر الحقيقي يبدأ عندما يكتسي الجهل برداء السلطة، ويتقلد منصبًا ليس أهلاً له، فيتحول من حالة بشرية عابرة إلى وباء يهدد القيم ويحطم الأسس.

 

فالكوارث لا تولد من العدم، بل تنشأ من اللحظة التي تُسلّم فيها مصائر الشعوب إلى أيدي غير كفؤة، لا تفهم معنى المسؤولية ولا تحترم قدسية المنصب. عندها يصبح المجتمع رهينة بيد "الراعي الأسود" الذي لا يعرف سوى لغة القوة، فيحطم كل ما يصادفه من قيم التوازن والعدل.

 

المشكلة ليست في جهل الشخص بعلوم الإدارة أو فنون التعامل، فهذا قد يُغتفر إذا لم يتعدَّ حدود نفسه. لكن الكارثة أن يُسلط على رقاب الناس من لا يعرف هيبة الكلمة ولا وقار الموقف، فيصبح ذلك الشخص —الذي لا يفهم من الحياة سوى عصاه الغليظة— هو من يتحكم في مصائرهم ويقود مستقبلهم.

 

أن تقف أمام مكتب مسؤول، حاملًا شهاداتك وخبراتك، وتواجه بجدار من اللامبالاة والاحتقار، ليست مجرد موقف عابر، بل هي صورة مصغرة لانهيار المعايير في هذا العصر. يأتي "المسؤول" متكبرًا، يتجاهل وجودك، ثم يلقي بعبارة جافة كالصفعة: "كلمت الوكيل حول مشكلتك". عندها تدرك أن هذا ليس حوارًا، بل إهانة ممنهجة.

 

هنا يثور العقل: أي ذنب ارتكبه المجتمع حتى يُسلّم أموره إلى عقليات ضيقة لا تعرف من السلطة إلا الكرسي، ولا تفهم من القيادة إلا الأوامر العمياء؟ كيف يُقبل أن تُهان الكفاءات، ويُستبعد أهل العلم، ليحل محلهم من لا يحمل سوى ماضيه البدوي وتجاربه المحدودة؟

 

هذه ليست قصة فرد، بل مأساة أمة تضع العمامة على رأس لا يعرف الفكر، وتضع القلم في يد لم تمسك سوى العصا، ثم تطلب منها أن ترسم مستقبل الأجيال. عندها يصبح المستقبل ضائعًا بلا دليل، لا يقوده سوى الصدفة والجهل.