بينما تتهاوى وعود المسؤولين كالتماثيل البالية، يطحن المواطنون بين رحى معاناة حقيقية لا تُحتمل. ها هي أربعة أشهر كاملة تمر دون أن يتقاضى موظفو الدولة - من المعلمين والطاقم الطبي إلى القوات العسكرية والأمنية - رواتبهم، ويقترب الشهر الخامس ليضيف إهانة إلى جروحهم.
هذا المشهد المأساوي لا ينفصل عن انهيار الخدمات الأساسية: ظلام دائم بفصل التيار الكهربائي، وعطش يسببه انقطاع الماء، وخدمات صحية وتعليمية تحتضر. في الخلفية، ينهار الاقتصاد بشكل مخيف؛ العملة المحلية تترنح، والأسعار ترتفع إلى عنان السماء، فيما تتبخر "إصلاحات" كانت مجرد أوهام.
السبب جليٌّ للعيان: نهب منظم لموارد الدولة، حيث تُستنزف العملة الصعبة من البنك المركزي لتمويل "إعاشة" المتنفذين في الخارج، بينما تُحرم منها الأغلبية الساحقة في الداخل. إنه استهتار صارخ بحياة الناس، قد يصل إلى حد الإبادة الجماعية البطيئة.
وفي خضم هذه الكارثة، تطفو على السطح أخبار عن مباحثات في الرياض لضمان توريد عائدات الدولة إلى البنك المركزي ووقف عرقلة الإصلاحات. ولكن، أي ثمة يبقى للمواطن الذي سئم من البيانات الجوفاء والوعود المعسولة التي لا تُشبع جائعاً ولا تُطمئن خائفاً؟
لقد نفد صبر الشارع. إن صمت المسؤولين وتقاذفهم للمسؤولية هو وقودٌ لغضب شعبي عارم، وانفجاره أصبح مسألة وقتٍ فقط. السؤال الذي يصرخ به الجميع: "إلى متى ستظل حكومة بلا ضمير، وشعب بلا حياة؟".