رغم كل ما يعانيه الشعب من فسادٍ أنهك كاهله وغيابٍ تامٍ للخدمات ورواتبٍ لم تُصرف منذ شهور ووعودٍ تبخّرت في الهواء، ورغم الحصار الذي كبّله بأزماتٍ متلاحقة، خرج الجنوبيون إلى الميادين متهلّلين، يرفعون راية الثورة ويجددون العهد بأن طريق الحرية لا يُسلك إلا بالتضحيات.
إن مشهد الجماهير التي غصّت بها الساحات في ذكرى ثورة 14 اكتوبر ليس مجرد احتفالٍ عابر، بل هو رسالةٌ عميقة المعنى ((تقول لكل من يحاول طمس هوية الجنوب أو التقليل من عزيمته، إن هذا الشعب ما زال وفيًّا لقضيته متمسكًا بحقه، ثابتًا على مواقفه مهما اشتدت الأزمات وتكالبت الظروف.))
لقد أثبت أبناء الجنوب مرةً أخرى أنهم لا يعرفون اليأس وأن إرادتهم أقوى من كل ألوان المعاناة.
خرجوا بقلوبٍ مثقلة بالهموم لكن بأرواحٍ مؤمنةٍ بأن التحرير لا يُمنح بل يُنتزع انتزاعًا وأن الثورة التي روتها دماء الأحرار لا يمكن أن تموت أو تُنسى مهما طال الزمن.
إن الاحتفال بالثورة في ظل هذه الظروف الصعبة هو فعلُ تحدٍ وصمود، يُظهر أن الشعب الجنوبي لا يحتفل بماضٍ مضى، بل يجدد العهد لمستقبلٍ يُراد له أن يكون حُرًّا كريمًا، بعيدًا عن الفساد والارتهان والفوضى.
ولعل هذا الإصرار الشعبي هو أعظم ردٍّ على كل من ظن أن المعاناة ستكسر الإرادة، أو أن الضغوط ستطفئ جذوة النضال.
إنها ثورةُ شعبٍ ما زال متمسكًا بكرامته وهويته، يدفع ثمن حريته صبرًا وتضحيةً، مؤمنًا بأن النصر لا يأتي إلا لمن يستحقه.
وهكذا يثبت الجنوب في كل عام أنه باقٍ على العهد، ثابتٌ على مبادئه، ماضٍ نحو هدفه مهما كانت التحديات.