في مشهد يجسد قمة الطفولية السياسية والقسوة الممنهجة، لا تزال جريمة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن في "مارس 1968" في عدن تشهد على كيف تحول الحلم بالاستقلال إلى كابوس من القمع والبطش، لا يفرق بين موظف وبين فنان يمسح ب أغانيه هموم الناس.
فبدلاً من بناء دولة القانون والمؤسسات، أقدم النظام اليساري آنذاك على قراراته التعسفية، ليحول المدينة التي كانت مفخرة للجنوب إلى ساحة لتطهير كل من يعتقد أنه يختلف معه فكراً أو صوتاً. لم تكن التهم سوى أوهام "عمالة للاستعمار"، بينما كان الهدف الحقيقي هو إفراغ الدولة من كفاءاتها وروحها.
اللافت أن القرار الجمهوري الذي وقعه قحطان الشعبي في مارس 1968م لم يستثن أحداً من الكوادر العليا في عدن ونشر عنه موقع شبوة برس" عدة موضوعات"
فإلى جانب السياسيين والإداريين والضباط، طالت القائمة أسماءً كانت مصدر إشعاع ثقافي وإنساني للمدينة. شعراء ومطربون مثل خليل محمد خليل، وإعلاميون مثل حسين الصافي وعديلة بيومي، وشعراء مثل محسن مهدي، ولطفي جعفر أمان ومحمد عبده زيدي وسالم أحمد بامدهف جميعهم تحولوا بين ليلة وضحاها إلى "خونة"، ليُحرموا من أرزاقهم ويُطردوا من تاريخهم.
الأكثر قسوة هو ما حدث لبعضهم، مثل مفتي عدن الشيخ باحميش الذي سُحل ودهس حتى الموت، وكبير مفتشي الشرطة محمود شودري الذي أعدم بالطريقة الوحشية ذاتها. إنها طفولية نظام يرى في كل صوت حر، سواء كان دعوة لله أو أغنية للفرح، تهديداً يجب إسكاته.
قرارات "مارس 1968" لم تكن سوى البداية، لتتبعها عقود من الإقصاء والظلم والتأميم للرأسمال العدني الحضرمي في عدن ، تاركةً جرحاً غائراً في جسد عدن يثبت أن الأنظمة الشمولية، بغض النظر عن شعاراتها، تلد نفس المآسي: سجون تبتلع الأحرار، وأرزاق تُقطع، وأغانٍ تُحظر.