على أبواب الجنوب، تُفرِض التحولات الكبيرة على الساحة الجنوبية الكثير من النقاشات السياسية، وتفتح المجال لمعركة السرديات الإعلامية وقراءات بانورامية في البيئة الإقليمية والمواقف الداخلية والخارجية، في وضع يُعدّ الأكثر ديناميكية في الوقت الحالي.
تشكلت بين الإخوان والحوثي كونفدرالية إعلامية وسياسية غير معلنة، تقوم على محورين: الأول اعتبار السعودية خصمًا مشتركًا، والثاني إبقاء الجنوب تابعًا للشمال، بغضّ النظر عن طبيعة حاكم صنعاء أو أيديولوجيته. وعلى الرغم من اختلاف البنى العقدية، تنجح الإخوان والخمينية في تنظيم تجاور تكتيكي متجدد ومرن في مناطق معينة، وتتنافسان بحدة في مناطق أخرى.
خلال العقد الماضي، جرت محاولات لتفكيك البنية السياسية للشرق الأوسط تحت شعارات الربيع العربي، وصولًا إلى تأزيم المشهد الخليجي، بهدف إضعاف المملكة العربية السعودية، وهو هدف ما يزال يجمع الإسلام السياسي السني والشيعي. أما التقاربات الحالية داخل الأسرة الخليجية، فهي تعبّر عن تغيّر حركة التروس الإقليمية وليس توافقًا نهائيًا.
في هذه البيئة الإقليمية المتحوّلة، تتحرك قضية الجنوب بوتيرة غير مسبوقة وسط عداء مستميت من تيارات الإسلام السياسي، بينما تبقى مواقف دول الخليج، وخاصة الرياض، غامضة تجاه استعادة دولة الجنوب، نتيجة أولويات والتزامات متداخلة أو تقييمات داخلية تؤجل خيار الدولة الجنوبية حتى نضوج شروطه الإقليمية والداخلية.
يمكن قراءة موقف المملكة، صاحبة التأثير الأكبر، على أنه نابع من خشيتها تجاوز إطار مهامها في عاصفة الحزم عبر دعم مباشر لاستقلال الجنوب، ضمن منطق إدارة الأزمات وتراتبية الأهداف. في المقابل، تحاول تنظيمات الإسلام السياسي ودول داعمة لها إسقاط مصطلح “تقسيم اليمن” لصدّ تطلعات الجنوب، وجعله فزّاعة في وجه دول إقليمية، رغم وعي بعض النخب العربية والخليجية بتاريخ الجنوب السياسي وتراجيديا الوحدة وحرب 94.
عودة الدولة الجنوبية المستقرة تمثل ضرورة جنوبية واستراتيجية للإقليم والمجتمع الدولي، وللشمال نفسه ليتمكن من التركيز على مستقبله بدل الانغماس خلف وهم الوحدة وكماشة التيارات الدينية. لذا، يتعيّن على الجنوبيين تعزيز الشراكة الداخلية والحفاظ على علاقة قوية مع الإقليم، وفي المقدمة المملكة السعودية، إلى جانب تبني خطاب فاعل ومطمئن للداخل والخارج.
#دوله_الجنوب_العربي،