رفعت العديد من الصحف أسعار الاشتراكات والنسخ الورقية، ما ساعدها على القضاء على خسائرها، كما أصبح نظام “بيوولز” الذي يحول من دون تصفح القراء للمحتوى على الإنترنت قبل دفع الرسوم المفروضة، شائعاً في الآونة الأخيرة، حيث تضاعف عدد الصحف الأميركية التي تستخدم هذا النظام خلال العام الحالي.
وتعمل أكثر من ربع الصحف الأميركية بهذا النظام، بينما تخطط التي لا تملكه في انتهاج طريقة لفرض رسوم مقابل تصفح محتواها على شبكة الإنترنت. وأصبح هذا التوجه عالمياً في الوقت الحاضر، حيث سئمت الصحف في بلدان مثل البرازيل وألمانيا وبلدان أخرى، من تصفح موضوعاتها على الإنترنت من دون مقابل.
وكان فرض رسوم على تصفح الموضوعات على الإنترنت، ميزة تقتصر على عدد قليل من الصحف مثل “فاينانشيال تايمز” و”وول ستريت جورنال”، التي توفر معلومات تتعلق بالأسواق لا يمانع القارئ في الدفع مقابل الحصول عليها. وتعارض الصحف العامة عملية فرض الرسوم هذه، تخوفاً من انحسار حركة تداولها وتراجع عائداتها الإعلانية الرقمية الهشة بدلاً من ارتفاعها.
لكن ببروز العديد من العوامل، غيَّرت هذه الصحف أراءها، حيث تحسنت التقنية وقلت تكلفتها. وكانت تكلفة بناء نظم الدفع على الإنترنت وتجربتها مكلفة للغاية، لكن مؤسسة “برس بلس” غيرت ذلك. وترخص المؤسسة تقنية يمكن للصحيفة بموجبها خلق نظام دفع مقابل نسبة من العائدات الرقمية. واشتركت في هذا النظام حتى الآن نحو 566 صحيفة معظمها من أميركا، قامت 400 منها بطرحه بالفعل. وتعكس بعض مؤشرات الصحف بالفعل هذا المناخ من التفاؤل، حيث حقق مؤشر شركة “نيويورك تايمز” ارتفاعاً قدره 37% خلال الستة أشهر الماضية. كما ارتفعت مؤشرات شركتي “جانيت” و”ماك كلاتشي” للنشر، بنحو 34% و24% على التوالي، على الرغم من أن جزءا من عائدات “جانيت” تعود إلى وحدتها التلفزيونية. وشهدت شركة “هيرست” الخاصة ارتفاعاً في أرباح قسمها الصحفي بنحو 25% خلال العام الحالي في أداء هو الأفضل بالنسبة للشركة منذ 2007.
وقامت مؤسسة “بيركشير هاثواي” في مايو الماضي بشراء عدد من الصحف من شركة “ميديا جنرال”، في إشارة تؤكد على توقعات أفضل خلال الفترة المقبلة. وفي كل الأحوال، فإن الصحف التي تملك علامات تجارية أقوى ولا منافس لها في المدن الصغيرة، ستكون قادرة على فرض مبالغ معينة مقابل المحتوى والحصول على الأرباح.
وربما شجع نظام “بيوولز”، على إحداث تغيير في قطاع الصحف، على الرغم من أنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان القطاع قد تجاوز مرحلة الأسوأ بالفعل. ولا يزال هناك الكثير من ما يحبط المتحمسين للصحف. وأعلنت مؤخراً شركة “ثيرد نيوز” للإعلام عن إغلاق صحيفتها “ديلي”، التي تعمل على أجهزة “آي باد” و”جالاكسي” فقط. كما تعرضت صحف منطقة اليورو لخسائر باهظة نتيجة لمشاكل المنطقة الاقتصادية، حيث سرحت “ألباس”، واحدة من الصحف الإسبانية الرائدة نحو ثلث العاملين لديها. كما أوشكت “فاينانشيال تايمز دوتشلاند” الألمانية على الإغلاق.
وازدادت الأمور صعوبة بالنسبة للصحف العاملة في الأسواق المشبعة مثل بريطانيا، حيث لم يشفع لها حرصها الشديد في عدم فرض رسوم على قرائها على الإنترنت، مقارنة بنظيراتها في أميركا. ولا يزال الوقت مبكراً للحكم على مدى نجاح تجربة نظم “بيوولز”، التي ربما لا تحقق نجاحاً في الصحف الوطنية أو تلك التي تعمل في مناطق تشتد فيها المنافسة.
والأكثر أهمية، أن محتوى الصحيفة ينبغي أن يستحق ما يدفع مقابله من المال، ما يعني صعوبة عمل تلك الصحف التي اتجهت نحو خفض تكاليفها لتتحول إلى أشباح صحفية. وحتى ينجح القطاع في تحقيق العودة المرجوة، ينبغي العمل على استقرار الإعلان أولاً، الأمر الذي يعتمد على مدى تعافي الاقتصاد.
وتعتقد مؤسسة “جوردون بوريل” الاستشارية، أن وضع الصحف الراهن شبيه بما مر به قطاع الإذاعة خلال خمسينات القرن الماضي، عندما شاع استخدام التلفزيون ليهجر المعلنون الراديو، كما هو الحال الآن بعد اختراع الانترنت. وبعد مرور عدد من السنوات، عاد البعض مرة أخرى للراديو لتستقر العائدات عند مستوى أقل، لكن عندما يحين الوقت الذي يحدث فيه ذلك للصحف، ربما يعود معه البعض من الذين هجروا وظائفهم وأغلقوا صحفهم.