أيها الجنوبيون! . . . . المعركة لم تنتهِ بعد

2015-04-17 14:46

 

تباينت الآراء والمواقف على الساحة الجنوبية بشأن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الحرب في اليمن بين مرحب مغتبط، ورافض متشائم ولامبالي، ومبرر المرحبين أن القرار أدان من شن الحرب ومنع إمدادهم بالسلاح ووضع البعض منهم تحت البند السابع، أما الرافضين المتشائمون فدوافعهم تكمن في أن القضية الجنوبية ما تزال خارج سياق التعاطي الدولي والإقليمي، وبالتالي فإن القرار بكل محتوياته كأنه لم يكن في ما يخص القضية الجنوبية، والأكثر من هذا ما يزال تعبير الحفاظ على وحدة اليمن، تتكرر في كل الخطابات الدولية والإقليمية والجنوبيون بغالبيتهم لا يكرهون شيئا أكثر مما يكرهون الإصرار على تأكيد التمسك بهذه الوحدة التي أذاقتهم الكثير من المرارات ليس هذا مجال تناولها، أما اللامبالين فإنهم في الغالب ممن لا يرون فائدة أو خسارة في هذا القرار باعتباره يعني السياسيين المتصارعين في ساحة السياسة والتنازع على السلطة في حين لا يقدم لهم وهم غالبية السكان شيئا مما يتصل بمعاناتهم اليومية جراء الخوف والفقر واننتشار الأوبئة والغلاء الفاحش في كل أساسيات الحياة وغياب الأممن وغيرها من المرارات التي يعيشها غالبي إن لم يكن كل الجنوبيين.

 

وما يستحق التأكيد هنا أن قرار مجلس الأمن جاء لتناول قضية واحدة محددة وهي ما اتفق على تسميته بـ"الانقلاب على الشرعية" وخطف الدولة (المفترضة) من قبل تحالف "الحوافش" كما يسميه العامة، وبالتالي علينا أن لا ننتظر من قرار مجلس الأممي أن يعالج كل شيء في اليمن، وهذا بطبيعة الحال ليس دعوة للجنوبيين إلى التخلي عن قضيتهم فهذه القضية قد ترسخت في وعي كل المواطنين الجنوبيين وجاء العدوان الأخير على بعض المحافظات الجنوبية ليؤكد أن مطالب الجنوبيين هي اكثر من مشروعة، وإن تمسك الجنوبيين باستعادة دولتهم هو حق أصيل لا ينازعهم فيه منازع بل يمكننا القول إن التعايش مع نخب سياسية تتعد الخداع والتزييف والتدليس منهجا  دائما في سلوكها وتعتبر الاستقواء والعنف وسيلة وحيجة لتحقيق الأهداف السياسية وبين شعب اعتاد الحيالة المدنية والتعامل مع النظام والقانون واتباع الخيارات السلمية في تحقيق المطالب السياسية، إن هذا التغايش أصبح مستحيلا بعد تجربة العقدين المريرة التي توجتهها حرب مارس ـ أبريل العدوانية على سكان الجنوب المجردين من أي وسيلة من وسائل المواجهة عدا الإرادة الصلبة وبعض الأسلحة الشخصية الخفيفة.

 

المعركة لم تننته فالمعتدون  ما يزالون مصرين على المواجهة حتى الرمق الأخير وهو تصرف بقدرما يحوي من الغرور والتعالي والهمجية بقدرما يعبر عن حماقة واستهتار واستخفاف بحياة الناس وأولها حياة الجنود المعتدين الذين يساقون سوق الأنعام إلى المجزة ويموت منهم المئات يوميا دونما أية مراجعة من قبل من أرسلهم إلى حتفهم، أما حياة المواطنين الجنوبيين فلا يمكن أن ننتصور من المعتدين أن يضعوا لها اعتبار، وهم يبحثون عن الغنائم والكنوز الذي وعدهم بها قادتهم يوم إن أرسلوهم إلى عدن ولحج والضالع وشبوة وحضرموت وغيرها من مناطق الجنوب.

 

هناك قضايا رئيسية ينبغي على الجنوبيين التنبه لها ونحن على مقربة من نهاية المعركة العسكرية التي قد لا تطول كثيرا إن شاء الله، ويمكن تلخيصها في الآتي:

 

لقد فرض الخيار العسكري على الجنوبيين فرضا وهو ليس بديلا عن الخيار السلمي الذي اختاره الجنوبيون منذ اليوم الأول في عرض مطالبهم وعندما يتوقف الخيار العسكري فإن الخيار السلمي سيبرز إلى مكانه الطبيعي في التعاطي مع القضية الجنوبية.

 

على الجنوبيين الكف عن البدء بتبادل الاتهامات عمن ساهم ومن لم يساهم في أعمال المقاومة فنحن نعلم أن المقاتلين لا يعلنون عن أنفسهم ولا يبلغون عن أماكن تواجدهم ويحذوني اليقين أن معظم قيادات وقواعد مكونات الحراك السلمي الجنوبي قد نالت شرف المشاركة في معركة التصدي للعدوان وإن هذه المشاركات كانت بصورة فردية لأنه لا يوجد مكون من مكونات الحراك يمتلك جناحا عسكريا ينخرط من خلاله في العمليات القتالية.

 

على المقاتلين الأبطال الذين كان لهم شرف التصدي للعدوان والدفاع عن المدن والقرى والمدنيين أن يحافظوا على تكويناتهم القتالية التي بلوروها خلال المعركة وأن يطوروها وأن يجعلوا من أنفسهم نواة للجيش والأمن الجنوبيين بعد أن جرى استبعاد الجنوبيين من الحياة العسكرية والأمنية على مدى عقدين، وهذا لا يعني بالضرورة أن الخيار العسكري هو الخيار الوحيد أمام الجنوبيين.

 

على مكونات الحركة السلمية الجنوبية بلورة المزيد من رؤاها المستقبلية حول القضية الجنوبية والارتقاء بمستوى العلاقة فيما بينها،وفي هذا السياق ما زلت أكرر إنه إذ استحال دمج كل المكونات في كيان واحد كما يستحيل القبول بحالة التشرذم والتفكك الذي يصر البعض على جعلها صفة دائمة ملازمة لحركة الثورة الجنوبية، فإن البديل الممكن الوحيد أو الأفضل هو الجبهة الوطنية العريضة التي تجمع كل المكونات والأطراف السياسية الجنوبية على مجموعة من القواسم المشتركة، وبالمقابل حق كل مكون في الاحتفاظ بكيانه وبرنامجه السياسي حتى ما بعد حسم قضايا الثورة، وأن يكون التنافس بين القوى السياسية تنافسا سياسيا مدنية قائما على التعايش والقبول بالآخر واحترام الاختلاف.

 

سيكون على أطراف الحكم في صنعاء (وأقصد حكومة بحاح ومن سيكون معه) أن تكف عن منهجية علي عبد الله صالح وما تعلمه منه عبدربه منصور هادي في التعامل مع الجنوب والجنوبيين بعدائية ونزعة اتهامية وثقافة قائمة على التخوين والتشكيك، فلقد برهن الجنوبيون في المعركة الأخيرة أنهم ليسوا مستعدين أن يدفعوا الثمن ثلاث أو أربع مرات، وإنهم عازمون على استعادة كيانهم السياسي مهما كلفهم الأمر، وإن استنساخ المكونات وتفريخ الكيانات الموازية لا يجدي نفعا وهو منهج مخابراتي بائس وأن الإصرار على استمرار احتلال الجنوب واستباحة أرضه وثرواته والتحكم بمستقبل أجياله لا يمكن أن يدوم طويلا وإن دام لسنوات فلن تكون سنوات استقرار وتنمية وتعايش بل سيستمر التوتر والمواجهة والتصادم لأن القضية ليست قابلة للمساومة والبيع والشراء، والذين ساوموا وباعوا واشتروا ثبت أنهم أتوا من خارج المعادلة وعادوا إلى حيث كانوا بعد أن أفسدوا على الجميع كل شيء، أما المواطنون الجنوبيون الحقيقيون فهم لا يعرفون المساومات ولا يراوغون وليست لديهم قائمة أسعار لمواقفهم ومطالبهم بعد أن دفعوا هذا الثمن الباهظ في مواجهة من أراد أن يعيدهم إلى زمن العبودية والتبعية مرة أخرى.

 

المعركة لم تننته بعد، حتى وإن خرست أفواه البنادق والمدافع، فإن معركة الحجج والبراهين والمعطيات والمواجهات السياسية السلمية ستستأنف من جديد لكن هذه المرة بسقوف مختلفة وبلغة مختلفة وبمستوى مختلف من الشجاعة والإصرار والثبات والموضوعية والأحقية التي سيكون على الجنوبيين إبداؤها وهم يواجهون الحقائق الجديدة التي أنتجها فشل العدوان وإخفاق مدبريه.

 

برقيات:

*   انتقل إلى رحمة الله الشخصية التربوية والموسيقية أول رئيس لاتحاد الفمانيين اليمنيين الديمقراطيين الأستاذ عبد القادر حسين الكيلة بعد عمر مليء بالعطاء وبهذا المصاب نتقد بأصدق مشاعر العزاء لأبناء الفقيد لؤي ومروان وللأستاذ صالح حسين الكيلة ولجميع آل الكيلة، ونسأل الله لهم الصبر والسلوان وللفقيد الرحمة والغفران، ولا خول ولا قوة إلا بالله.

 

*   خاطرة شعرية:

عدن الحبيبة أشهدُ أنتِ أشدُّ وأجلدُ

في وجه باغٍ داس ما رسم الجدود وشيدوا

قاومتِ من خانوا العهود ومن بغوا وتنمردوا

قد أقبلوا مثل الوحوش وهددوا وتوعدوا

من بعد ما أبدوا التودد بالمودة أفسدوا

حنثوا بكل عهودهم ومع اللئام تجندوا

رضعوا حليبك في الصباح وفي المساء تمردوا

قد حان عرسك يا جميلة إن مزنك يرعدُ

 وشعاع صبحك لاح يعزف للجمال وينشدُ

زيلي غبارك يا حبيــبة فالعدا لن يصمدوا

سيموت كل الطامعيـن وأنت نجمك يصعدُ

ويظلُّ وجهك باسماً رغم الجراح يزغردُ