تفهم بريطاني لخطوات الرياض ومحللون: خطوة السعودية رسالة بأن أمن المملكة وحلفائها خط أحمر

2016-01-05 11:37
تفهم بريطاني لخطوات الرياض ومحللون: خطوة السعودية رسالة بأن أمن المملكة وحلفائها خط أحمر
شبوه برس - متابعات - ابوظبي

 

عجت الأوساط السياسية الغربية، بالكثير من المواقف المتباينة، في تفهمها لقرار المملكة العربية السعودية، بقطع علاقتها الدبلوماسية مع إيران، وقبل أن ينقطع المداد في تفسير هذا القرار، وتأثيره على الوضع الدولي عامة، والشرق الأوسط خاصة في الصحف ومراكز البحوث المهتمة بالسياسات الدولية في الغرب، ارتفع ثيرمومتر الحماسة التحليلية لهذه الخطوة، بعد أن توالت القرارات المساندة لخطوة السعودية من دول عربية عدة.

 

بالنظر إلى أصل القضية وهو إعدام السعودي نمر باقر النمر الذي فجر الأزمة بين الرياض وطهران، عبر السفير السابق للملكة المتحدة في السعودية السير جون جينكنز عن تفهمه لقرار الرياض باعتبار أن المملكة أعدمت الإرهابيين الذين يقوضون أمنها ويسعون إلى الإضرار باستقرارها، وأن الأمر لم يقتصر على استهداف طائفة بعينها.

في وقت أبدى محللون اقتصاديون، تخوفهم من أن يؤثر التوتر بين السعودية وإيران، في أسعار النفط، وأن القطيعة التي نشأت بينهما ستقود إلى ارتفاع أسعار البترول، خاصة وأنه غير معروف شكل نهاية هذا التوتر، وجنحت بعض الصحف البريطانية إلى أقصى درجات التوقع كما عنونت صحيفة «ديلي اكسبريس» تقريرها المطول والمعنون بالحرب العالمية الثالثة. في وقت أبدى محللون آخرون مخاوف من أن تؤثر الأزمة في سفر الحجاج الإيرانيين إلى الأراضي المقدسة في حال استمر التوتر.

 

تفهم وعقلانية بريطانية

 

الصحفيون الذين تجمعوا في قاعة المؤتمرات الصحفية في مبنى «10 دواننيغ ستريت» مقر الحكومة البريطانية، كانوا يمنون أنفسهم بتصريح بعينه تجاه السعودية، ولكن المتحدثة باسم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون رفضت توجيه صوت إدانة أو لوم إلى السعودية على خلفية إعدامها للإرهابيين في الأيام الماضية، وقالت «لدينا مجالات واسعة للتعاون ولدينا خطط ونحن ننظر كيف يمكننا تحقيق مصالحنا والمساعدة في تطوير النظم القضائية للدول الأخرى لكننا لن نقطع علاقتنا مع أحد».

 

وكان السفير السابق للملكة المتحدة في السعودية السير جون جينكنز أكثر وضوحاً، وهو يدافع عن قرار السعودية وأبدى تفهماً له، عندما قال في مقابلة مع بي بي سي «عمليات الإعدام للإرهابيين التي تمت في الرياض مفهومة»، وقال عن الحملة على السعودية وعلاقتها ببريطانيا: «لا أعتقد أن مثل هذا الحديث له ما يبرره، ولاسيما عند النظر إلى ما حدث خلال الشهور ال 18 الماضية، والهجمات التي قامت بها داعش وغيرها داخل السعودية، فأنا أستطيع أن أفهم لماذا كان رد فعل السعوديين بهذا الشكل».

وأضاف أن عمليات الإعدام التي قامت بها السعودية هي عملية قضائية، وهي دولة ولها نظم قضائية، قبل أن يضيف أن «إيران أعدمت الكثير من الناس بل أكثر مما فعلت السعودية الآن».

وأوضح السفير السير جنكنيز الذي غادر منصبه في الرياض شهر ديسمبر/‏كانون الأول الماضي، أن عمليات الإعدام شملت السعوديين ومعظم من جرى إعدامهم حملوا السلاح ضد الدولة، بل إن بعضهم دعا لانفصال المنطقة الشرقية، والخروج من الولاء للدولة السعودية. وقال «الدعوة للخروج من الولاء للدولة السعودية هي تهمة خطيرة تعادل حمل السلاح ضد الدولة»، في إشارة إلى حديث النمر بدعوته للخروج عن الولاء للدولة السعودية.

ولفت أن الهدف من تنفيذ أحكام قضائية بالإعدام على المدانين، هو إرسال رسالة إلى إيران والولايات المتحدة، وكذلك للداخل السعودي. وقال «في الأساس الرسالة هي، أننا.. السعوديون، نرفض التدخل الإيراني في شؤوننا، ونحن سوف نقف ضد أي شخص نعتقد بأنه عميل إيراني يسعى لتوسيع نفوذها داخل بلادنا ».

ونوه جنكنيز إلى أن الرأي العام السعودي من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، كان ينتقد الحكومة بشدة لعدم بذل جهود كافية لدفع النفوذ الإيراني. وقال «إن السعودية تواجه أيضاً منافساً في شكل داعش، التي تقدم نفسها للداخل السعودي على أنها الوحيدة القادرة على الوقوف في وجه التوسع الإيراني ».

وقال الخبير في شؤون السعودية في جامعة أكسفورد توبي ماتشيسن لصحيفة «واشنطن بوست»: إن «وجود أشخاص من طوائف مختلفة في قائمة الذين طبقت عليهم أحكام الإعدام، رسالة تؤكد من خلالها السعودية أنها عادلة في المساواة بين مواطنيها أمام القانون».

 

تطورات الأوضاع في اليومين الماضيين التي تبعت تنفيذ أحكام الإعدام، وما تبعها من هجمات على مقار تابعة للبعثة الدبلوماسية السعودية في إيران، التي دفعت الرياض إلى طرد الدبلوماسيين الإيرانيين من أراضيها، وترافق ذلك مع قيام دول عربية عدة بنفس الخطوة، دعت الولايات المتحدة لتحسس مواقفها وخططها في المنطقة، لذا سارع المتحدث باسم الخارجية الأمريكي جون كيربي للقول «نحن نعتقد أن التواصل الدبلوماسي والمحادثات المباشرة يظل عملاً أساسياً يتم من خلاله وضع حلول للخلافات ». وأضاف «أننا سوف نواصل حث القادة في جميع أنحاء المنطقة لاتخاذ خطوات إيجابية لتهدئة التوتر».

 

بينما قال مسؤول أمريكي رفيع لصحيفة واشنطن بوست تحدث دون أن يكشف عن هويته «ما يحدث هو لعبة خطرة جداً، وتداعيات ذلك أكبر من رد فعل على تنفيذ أحكام بالإعدام على مدانين، وسيشمل ذلك الإضرار بمبادرات مكافحة داعش وتسوية الأزمة السورية».

لكن مسؤولاً سعودياً وصفته الصحيفة بأنه المخول بنقل وجهة النظر السعودية، اشترط عدم الكشف عن هويته، عبر عن رأي آخر بحسب واشنطن بوست، عندما قال إنهم الآن غير معنيين بالمبادرات هذه، وقال: «كفى يعني كفى. مراراً وتكراراً كانت إيران تدس أنفها في الدول التي تقع في الغرب منها (الدول العربية)، وطهران ما تزال ترعى الإرهاب، وتطلق الصواريخ الباليستية، ولا أحد يفعل حيالها أي إجراء.. والسعوديون بات لا يهمهم غضب البيت الأبيض.

 

الإيرانيون يفعلون فعلاً في كل مرة، والولايات المتحدة تبتعد ولا تفعل شيئاً ».

 

وكان وزير الخارجية السعودي قال في مؤتمره الصحفي الليلة قبل الماضية «نحن مصممون على عدم السماح لإيران بتقويض أمننا. ومصممون على عدم السماح لإيران بتعبئة، أو إنشاء أو تأسيس خلايا إرهابية في بلدنا، أو في البلاد الحليفة لنا، وسنقوم بصد إيران لو حاولت أن تفعل ذلك».

 

قلق وتفهم

 

ويرى محللون أن هذا التوتر بين إيران والسعودية، من شأنه أن يعقد الأمور في الشرق الأوسط، حيث يقول مايكل ستيفنز من معهد الأبحاث الملكي في لندن «هذا تصعيد مثير للقلق وستكون له عواقبه الوخيمة، إن لم يتم تداركه»، وأضاف أن تاريخ إيران ينظر له في دول المنطقة العربية بأنه دائماً ما يكون سلبياً وعدائياً.

 

بينما قال عباس كاظم زميل مدرسة السياسات الدولية، في جامعة جونز هوبكنز، هذا التوتر لن يقود إلى حرب مباشرة بين البلدين، وقال إنه «يشعر بالقلق من أن الحرب يمكن أن تتفاقم في مواقع الصراعات الحالية في سوريا واليمن، وأن كل طرف سيسعى لدعم حلفائه في هذه الحروب للنيل من الآخر».

ومن جهته قال حسن حسن لصحيفة «الغارديان» البريطانية الذي وصفته بأنه كاتب ومحلل لشؤون الشرق الأوسط إن الأزمة تعود إلى قيام النمر بتحريض الشباب في المنطقة الشرقية في المملكة وخارجها ودعا علناً إلى ولاية الفقيه في السعودية والبحرين. وأوضح أن إعدام النمر يمثل رسالة إلى الداخل والخارج مضمونها» من يتخطى الحدود والخطوط الحمراء سيكون هذا عقابه وهو ما سيضمن تحصين الداخل السعودي من المؤامرات التي تحاك ضد الشعب، وأضاف أن توقيت الإعدامات يعد مهماً للسعودية لطمأنة السكان بأن الدولة قادرة والموازنة في الإعدامات تثبت أن الدولة عادلة بين مواطنيها وإقليمياً تظهر السعودية التي تقود التحالف الإسلامي أنها قوية وقادرة على القيادة والمواجهة.

ويرى سيمون تيسبال الكاتب في «الغارديان» أن الملك السعودي ألقى بالكرة في ملعب إيران على دفعتين: الأولى بتنفيذ أحكام الإعدام، والثانية بقطع العلاقات الدبلوماسية بعد الاعتداء على القنصلية، والآن الكرة في ملعب طهران، فإن هي ردت بشكل غير مسؤول ستقوض مطامحها في استثمار الاتفاق النووي، إن كان ردها غير ملائم، وإن هي صمتت ستخسر كثيراً وستظهر السعودية مع حلفائها بمظهر قوي في المنطقة العربية.

 

سعر النفط يرتفع

 

بات واضحاً مع اشتداد الأزمة بين طهران والرياض أن أجواء آخر الثمانينات وبداية التسعينات بين البلدين (1988-1991) في طريقها إلى العودة، يوم أن قام حجاج إيرانيون بمظاهرات داخل الحرم المكي، وضبط معهم مواد متفجرة، وإثر ذلك انقطعت العلاقة بين السعودية وإيران، وتوقف الحجاج الإيرانيون عن السفر إلى السعودية، بقرار من بلدهم.

 

ويبدو أن هذا الأمر في طريقه للتكرر في ظل الأزمة الحالية بحسب تصريح المتحدث باسم اللجنة القضائية والقانونية النائب الإيراني محمد على اصفناني الذي قال «قطع العلاقات الدبلوماسية سيدفعنا لإيقاف إرسال الحجيج إلى السعودية».

يشار إلى أن السعودية لم تعلن رفضها استقبال الحجيج الإيرانيين العام الجاري تبعاً للأزمة الدبلوماسية بينهم الماثلة الآن.

 

وعلى النقيض من الأزمة التي تريد طهران تفجيرها مستقبلاً عبر الحجاج، نجد أن أسعار النفط ارتفعت بشكل ملحوظ نتيجة للأزمة بين أكبر دولتين تمتلكان احتياطياً نفطياً في العالم، حيث ارتفع خام «برنت» في السوق الآجلة بنسبة

 

3.3 %وسجل سعر البرميل 38.50 دولار وهو أعلى سعر للمعيار العالمي لنحو ثلاثة أسابيع.

 

وقال ريك سبونر، المحلل في أسواق «سي ام سي» في سيدني، إنه لا يوجد أي تهديد وشيك لإنتاج النفط ولكن هذا الخلاف كان سبباً للقلق وقاد لارتفاع الأسعار، ويمكن أن ينظر إليها من قبل السوق باعتبارها خطوة إضافية في احتمال التصعيد على المدى الطويل من المشاكل في الدول المنتجة للنفط الأساسية في المملكة العربية السعودية وإيران. ويرجح محللون أن ترتفع أسعار النفط الذي كان يعاني ركوداً في حال تأزم الوضع أكثر مما هو عليه بين طهران والرياض.

*- الخليج