الديمقراطية نظام ليست من الإسلام في شيء

2013-02-15 14:27
الديمقراطية نظام ليست من الإسلام في شيء
شبوة برس - متابعات

يطرح الإسلاميون شعار الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، وهو مثقل بالإيديولوجيا والوعد بالمدينة الفاضلة.

بينما الدولة الفعلية هي صراع قوي على السلطة، وتستخدم فيه كل أساليب العنف والإغراء والدهاء والخداع.

خلاصة من بحث حيدر إبراهيم علي 'الديمقراطية عند الإسلاميين بين الإيديولوجية والبراغماتية، ضمن الكتاب 65 (مايو 2012) 'الإسلام والديمقراطية' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

تشير الدولة إلى مستوى ويشير الإسلام إلى مستوى آخر، تستقيم العبارة دولة – إسلامية في ظروف غير طبيعية يصبح الإنسان غير الإنسان، وتتغير القواعد العامة للسلوك البشري فتتحول الدولة إلى لا دولة، ويذوب هدفها المحدود في الغاية العظمى للأمة جمعاء.

أما في الظروف العادية فتبقى الدولة في نطاق غايتها الغلبة والاستئثار بالخيرات فلا يمكن أن تتحول تلقائياً إلى أداة تتوخى تحقيق مكارم الأخلاق".

 

ويرى كثير من المفكرين أن مقاصد الشريعة فوق أهداف الدولة.

ولذلك، وعندما يصل الإسلاميون إلى السلطة يتحولون سريعاً من المثالية والتوق لليوتوبيا إلى الواقعية – النفعية أي البراغماتية عند البحث عن حلول للمشاكل الفعلية المستجدة.

وهذا هو معنى السياسة السائد: فن الممكن.

وهذا ما يفرض في كثير من الأحيان – حسب مكيافيلي – انسحاب الأخلاق لو تعارضت والغاياتِ السياسيةَ.

 

يثمن الإسلاميون الانتشار الجماهيري للتنظيمات والجماعات الإسلامية، دون التساؤل عن الوسائل.

وحين تتهم بأنها تخاطب العواطف بدلاً عن العقول، وتسعى إلى التجييش والتهييج، لا يعتبر هذا عيباً طالما كانت النتيجة تحقيق الشعبية والانتشار.

ويبتعد الإسلاميون عن مناقشة صحة الأفكار ولكن المهم نجاعتها وفعاليتها في جذب الجماهير.

وهنا تفيد الإيديولوجيا لأنها تعمل على صعيد تجريدي بحت لم يخضع للتجربة والاختبار الواقعيين.

 

ينعكس تناقض الإيديولوجية والبراغماتية على منهج مناقشة دور الإسلاميين في السياسة.

فأغلب الإسلاميين يرجع إلى النصوص للاستدلال على صحة الأفكار والمواقف؛ مستشهداً بالقرآن الكريم والسنة المطهرة أو بعض المرويات.

ولكن الخلاف والنقاش لا يدور حول ما قال الدين أو ما قالت النصوص المقدسة، بل حول كيف مارس المسلمون هذا الدين وكيف عاشوه في التاريخ والحاضر؟ فالمشكلة ليست ماذا ورد في النص، بل كيف مشى المسلمون بهذا النص على الأرض ومارسوه في حياتهم اليومية؟ وهذا هو الانفصام بين الخطاب والممارسة، ومن هنا تتسرب البراغماتية.

فالخطاب المعلن يقول شيئاً يصعب تطبيقه وهنا يبحث الإسلاميون عن المبررات لشرح ما فعلوه مخالفاً لما قالوه.

وكثيراً ما يميل بعض المفكرين والحركيين الإسلاميين إلى التبرير وليس التسبيب وهو عملية عقلانية، عكس الأولى وهي عاطفية نفسية تبحث عن المخرج.

باختصار نحن لا نختلف حول ما تلت النصوص ولكن حول ما فعل كثير من المسلمين.

 

يختلف الإسلاميون وهم في السلطة والحكم عنهم وهم في المعارضة.

والإسلاميون المعارضون أنفسهم، تختلف ممارستهم حين يصلون إلى السلطة.

ولذلك، يمكن القول: إن الإسلاميين معارضون جيدون وحكام فاشلون، شرط أن يكونوا واقعيين.

ويعود ذلك إلى أن الأيديولوجيا المثالية، بعد وصولهم الي السلطة تنزل إلى الأرض وتتعرض للاختبار الفعلي.

فالشعارات النبيلة المرفوعة تنكشف عند التطبيق، ويظهر الخيالي من الواقعي فيها.

 

تعتبر عمليتا التوفيقية والتأصيل من أهم تجليات البراغماتية لدى الإسلاميين. فهي محاولة لإيجاد نسب لأفكار سابقة وقديمة في واقع حديث من خلال إعادة تفسيرها وتأويلها بقصد التكيف والملائمة ورفع التناقضات.

فقد ظل رواد الفكر السياسي الإسلامي وبعض الحزبيين، لفترة طويلة يرفضون إقحام مفاهيم مثل الديمقراطية والاشتراكية في الجهاز المعرفي الإسلامي.

ولكن التطورات المعاصرة – كما أسلفت – أسقطت هذا المحظور، وشرع بعضهم في إيجاد صلة أو أصل لهذه المفاهيم في الإسلام بطرق غير مباشرة.

وحاول الإسلاميون- باللجوء إلى البراغماتية والتوفيقية- الإجابة عن أسئلة، مثل: هل هناك ضرورة حقيقية لإدراج مفهوم الديمقراطية في بنية الفكر السياسي الإسلامي أم يمكن لمفهوم الشورى أن يكون مقابلاً وبديلاً كاملاً يغني عن استعارة ذلك المفهوم الأجنبي؟ ويتسع السؤال: ماذا وكيف يمكن أن يؤخذ من الثقافات الأخرى؟ وتعددت المواقف والرؤى حسب المدارس الفكرية والتنظيمات السياسية من الأصولية والسلفية حتى الإصلاحية والليبرالية الإسلامية، والتقدميين الإسلاميين واليسار الإسلامي، مروراً بكل أشكال التوفيقية.

 

يمثل اهتمام الإسلاميين – على اختلاف مواقعهم ومواقفهم – أقوى أشكال العلمنة والعولمة اللاشعورية، التي طالت العالم الإسلامي، والذي لم يعد محصناً تماماً من تأثير هذه الأفكار والمؤسسات الأجنبية.

لذلك حاول بعض المفكرين ليس رد التأثيرات ولكن تخفيفها وتكييفها أو أسلمتها وتأصيلها.

فهذا الحوار الصاخب والكثيف حول مفهوم الديمقراطية مثلاً، دليل قاطع على انشغال بقضايا دنيوية تأخذ أبعادها العالمية.

 

ووصل أمر البراغماتية لدرجة استخدام مفهوم جديد صكه فهمي الشناوي وهو الشورقراطية( ) حاول فيه مزج مصطلحي الديمقراطية والشورى، يقصد "أن الشورى ترشد الديمقراطية وأن في الديمقراطية حسنات لابد أن نأخذ بها"( ).

أما الشيخ حسن الترابي صاحب المهارة في البراغماتية، فقد سّهل على الإسلاميين التوفيقية بحيث يمكن تذويب مصطلح الديمقراطية في الفكر الإسلامي بلا أي حساسية أو نفور، يقول : "إن الموقف الأوفق من استعمال الكلمات الوافدة رهين بحال العزة والثقة أو الحذر والفتنة.

أما وقد تجاوزنا غربة الإسلام وغلبة المفهومات الغربية بكل مضامنيها وضلالها.

فلا بأس من الاستعانة بكل كلمة رائجة تعبر عن معنى وإدراجها في سياق الدعوة للإسلام ولفها بأطر التصورات الإسلامية حتى تسلم لله وتكون أداة تعبير عن المعنى المقصود بكل أبعاده وملازماته الإسلامية وعندئذ يقال: إن المعاني أهم من المباني وإن العبرة ليست بالصور والألفاظ وإنما بالمعاني والمقاصد".

 

يعتبر إزالة الحرج العقائدي والفكري عن مفهوم الديمقراطية وإقرار عدم تناقضها مع الشورى، بل وإمكانية تبادلية الاستخدام والفهم بلا عقبات، من أوضح تجليات البراقماتية.

فقد انفتح الباب أمام الإسلاميين للعمل السياسي وممارسة السياسة بكل قواعد لعبة السياسة التي تحقق السلطة والغلبة بكل الوسائل المقبولة سياسياً وليس بالضرورة أن تكون مقبولة أخلاقياً ودينياً.

 

هذا، بالإضافة إلى التناقض الفلسفي والفكري في مضمون وجوهر الشورى والديمقراطية. وقد ظهرت مواقف مبدئية تفصل بوضوح بين المفهومين بأحكام قيمية أحياناً أو من دونها.

فالاختلاف في جوهر المجالين أو الموضوعين. ويرى سيد قطب، مثلاً: إن نظام الشورى في الإسلام فريد ولا يتطابق مع النظم الأخرى، ولذا فالأفضل الاقتصار على تسميته بالنظام الإسلامي تمييزاً له من كل النظم الموجودة في العالم. فالديمقراطية حسب هذا المنطق، ليست الديمقراطية من الإسلام في شيء.

لذا، لا يصح إطلاقها على نظم الدولة الإسلامية.

* المصدر : ميدل ايست اونلاين