تنمية الإنسان والارتقاء بمستواه المعيشي الصحي والتعليمي والثقافي والاقتصادي هي غاية كل الدول والحكومات ، بل وغاية الإنسان منذ أن وجدت الخليقة .
مخزٍ ومقرفٍ ومقزز ما وصل إليه حال بلداننا من التصدع الأخلاقي والقيمي الذي قادتنا إليه ما اعتقدنا أنها نخب سياسة ، وهي لا تصلح ولا تؤتمن على رعاية مواشٍ وبهائم وحمير .
خمسون عاماً وستون عاماً مما سميناه ثورات التحرر ضد الاستعمار وليت شعري ! ليت هذه الثورات لم تقم ، وليت ذاك الاستعمار الذي ثار عليه الأجداد والآباء لم يرحل؛ لأنه أرحم بالناس من عصابات اللصوص الذين تولوا قيادة الشعوب بعد قيام هذه الثورات المسروقة.
ماذا جنى المواطن هنا في عدن - وهي ثغر مدن الجزيرة العربية التي تمنى حكيم العرب زايد بن سلطان يوما من ستينيات القرن الماضي أن لو تصبح أبو ضبي مثلها- ماذا جنى بعد هذا العمر الذاهب المختزل غير الهوان والضياع والمذلة ؟.
يا قوم ممارسات وامتهان لكرامة الإنسان تجاوزت حدود الإذلال .
عجزة ومسنون، متقاعدون عسكريون ومدنيون خدموا هذا الوطن وبنوه بدمع العين وأذبلوا زهور أيامهم في الصحاري والقفار والأرياف من المهرة إلى باب المندب صاروا اليوم يتكففون إعانات شهرية تسمى رواتب مجازاً، وفوق هذا وذاك لا يحصلون عليها، حتى لكأنهم غرباء على هذا الوطن .
يشهد الله كم تألمت لأحد المواطنين الطاعنين في السن ، حيث رأيته يخرج من المسجد بعد صلاة الفجر مباشرة ويسير بصعوبة على عكازه ، واضعاً ما يشبه العجلة البلاستيكية - الخاصة بأمراض الفقرات والنخاع الشوكي - التي توضع على الرقبة ، ويهم بالخروج من المسجد متعجلاً بغية الذهاب إلى بريد خور مكسر ولم يتناول كأساً من الشاي ، والطيور لم تغادر أعشاشها بعد، ويحلف بالله أنه منذ أكثر من خمس عشر يوماً لم يتمكن من استلام الإعانة التي يسمونها راتب في هذا السجن الكبير الذي نسميه وطناً.
للقائمين على بريد خور مكسر ومكاتب البريد في عدن والمحافظات المحررة نتساءل :
ما الذي يجري ؟ ومن المتسبب في كل هذا الهوان ؟ وهل هذه مكاتب بريد لتسهيل خدمان الناس أم أماكن للتعذيب ؟
لحكومة الشرعية التي لا يحكمها شرع ، ولعصابات اللصوص والمارقين في صنعاء نقول :
اتقو الله في الناس ... اتقوا الله في العجزة والمسنين الذين تورمت أقدامهم وبكت قلوبهم قبل أن تبكي أعينهم أمام مكاتب البريد وهم من قضوا أعمارهم في خدمة هذا الوطن ..... أطلقوا رواتب الناس وعززوا البنوك والبريد، واتعظوا مما يجري، فدعوة إنسان عاجز ستجعل ألسنة النيران تلتهم بيوتكم وتكويكم في الدنيا قبل الآخرة.
ولمحافظ عدن ولحج وأبين نقول :
لا تدعوا الظالمين يأكلون الثوم بأفواهكم ، وبينوا للناس من الذي يقف وراء كل هذا العذاب الذي لا يقف عند المتقاعدين ، لكنه يجاوزه الى تأخر رواتب المداومين على العمل في التربية ومختلف المرافق خصوصاً في محافظتي لحج وأبين لشهرين وثلاثة؟ .
نتمنى أن نرى انفراجاً عاجلاً قبل أن تتحول انّات الناس إلى ثورة عارمة تجتاح الأخضر واليابس وهذا ما لا نريده لأننا قد شبعنا ويلات ومتاعب .
*- علي غالب الصبيحي