حركة القوميين العرب
تأثر أبناء اليمن الجنوبي كغيرهم من العرب، أثناء حكم الزعيم عبدالناصر لمصر، بالشعارات القومية ودعاوى التحرر والتخلص من الاستعمار، وعلى خلفية ذلك بدأت التيارات القومية باستقطاب أبناء اليمن الجنوبي لتتبلور لاحقا ، كقوى سياسية جديدة بعضها ناصري الهوى، والآخر بعثي أو شيوعي، وقد نافست تلك القوى السياسية رابطة الجنوب العربي التي تشكلت في بداية الخمسينات، والتي كانت تطالب مطالبة بتوحيد سلطنات ومشيخات محمية عدن في دولة واحدة، إذ نجحت القوى الجديدة في إقصائها بوصفها قوى رجعية وعميلة وموالية للاستعمار، فيما كانت "رابطة الجنوب العربي" تتكون من بعض المثقفين والتجار المطالبين بدولة واحدة للجنوب، غير تابعة لليمن، لذا لم تكن تطالب بالوحدة مع الشمال، نجحت في انشاء "اتحاد الجنوب العربي" الذي انضمت إليه بعض السلطنات والمشيخات، إلا أن الدعاية الناصرية ضد هذا الاتحاد، اسهمت في فشل التجربة وانهيارها، لتنهار بعد ذلك سلطنات الجنوب العربي، الواحدة تلو الاخرى.
ثورة 14 أكتوبر
تعتبر أحداث ردفان 14 أكتوبر 1963م ، نقطة الانطلاقة لأبناء الجنوب المتحمسين لحمل السلاح ضد الاستعمار البريطاني ، فاستهدفوا القوات البريطانية بتنفيذ العديد من العمليات الفدائية، التي ألهبت حماس الجماهير للانخراط بالثورة، وكان لإذاعة "صوت العرب" دور كبير في تغطية أخبار الثورة بالجنوب آنذاك، والتي امتدت إلى مناطق الجنوب كافة، وصولا إلى أكبرها مساحة وإرثا حضاريا، محافظة حضرموت.
إرهاصات الثورة بحضرموت
تعود بدايات مراحل النضال التحرري من الاستعمار البريطاني بحضرموت إلى مطلع العام 19960 واستمرت لسنوات حتى مغادرة آخر جندي بريطاني أراضي الجنوب في 30 نوفبمر 1967، بفعل "الكفاح المسلح" الذي أتى امتدادا لثورة 14 أكتوبر و ارهاصاتها الأولى بداية الستينيات لتتوج في العام 1962. حيث كان لفرع حركة القوميين العرب الذي تأسس في عدن في نهاية 1959م ، قصب السبق في إيقاد جذوة الثورة بحضرموت ، التي بدأ فيها بإعداد العدة للمواجهة مع الاستعمار البريطاني وأعوانه من خلال تهيئة الجماهير للثورة وحمل السلاح في وجه المحتل الغاصب، إذ تعد الحركة واحدة من أهم الفصائل التي كونت الجبهة القومية في 14 أكتوبر 1963م.
محمود صقران
يُعَد محمود سالم صقران من أوائل أبناء حي القرن بمدينة سيؤن، المؤسسين لحركة القوميين العرب بحضرموت العام 1960م. وفي مقالة بعنوان " أستاذي محمود صقران" ، يشير الأكاديمي بجامعة عدن، أ.د.مسعود عمشوش، أن شخصية المناضل " صقران" بزرت لتمكنه من الحصول على قسط من التعليم قبل الاستقلال. ويسرد عمشوش ، في قراءة للجزء الأول من كتاب (مذكرات عن مراحل النضال والتحرير في حضرموت) للمناضل عبدالقادر باكثير، إشارته ، لدور أعضاء حركة القوميين العرب بمدينة سيئون التي كانت اعتبرت "جزءا من الجبهة القومية منذ منتصف ديسمبر من عام 1962. الأمر الذي مكن المناضل ،محمود سالم صقران، من حضور معظم اجتماعات الشعبة التنظيمية بصفته عضوا في الجبهة القومية لمنطقة حضرموت في مدينة المكلا".
تشكيل التنظيمات
في العام 1960، تصدرت مجموعة من أبناء حضرموت المشهد السياسي، بغرض تشكيل نواة حركة القوميين العرب بحضرموت ، فقامت بتأهيل عدد من الكوادر وترتيب الجانب التنظيمي لتلك التشكيلات التي أولت اهتماما خاصا بمختلف الشرائح الاجتماعية التي شكلت نواة الأولى لجيش التحرير، وعند انطلاق شرارة ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م في جبال ردفان بدأت فروع الجبهة في الجنوب بالاستعداد للكفاح المسلح ، كل في منطقته، حيث شمل عملية الاستعداد تدريب الاعضاء على استخدام الأسلحة المتنوعة من مسدسات ورشاشات وقنابل يدوية ومتفجرات ومدافع البازوكا والهاون، كما بدأت الفروع في شراء السلاح وتخزينه في مخازن أمينة استعداداَ للمعركة القادمة.
حضرموت
ولقد كان لفرع حضرموت دور كبير في هذا الجانب، إذ قام عناصره بجلب كميات كبيرة من الأسلحة من عدن وغيرها من المناطق الأخرى، بالإضافة إلى الأسلحة الشخصية التي يمتلكها شباب التنظيم ومناصروه من أبناء القبائل المسلحة الذين أعلنوا عن استعدادهم الكامل لاستخدام أسلحتهم وذخيرتهم الشخصية لهذا العمل الوطني العظيم. ويذكر المناضل، عبدالقادرباكثير، في مذكراته عن "بدايات الكفاح المسلح بحضرموت"، أن الجبهة القومية قد لعبت دورا كبيرا في المرحلة تلت بدء الثورة وحتى نهاية عام 1966، فقامت بـ " تخزين كميات كبيرة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في منطقة حجر، والشرج بالمكلا، ووادي عمد، وسيئون وغيرها من المناطق استعداداً لليوم الذي تصل فيه شرارة الثورة المسلحة إلى هذه المنطقة".
الكفاح المسلح
وعند تهيئ الظروف الذاتية والموضوعية في يناير من العام 1967، بدأ المناضلون الحضارم في تنفيذ الخطوات العملية لبدء الكفاح المسلح بتنسيق مع القيادة السياسية العليا في عدن، فتم تحديد نوعية الكفاح المسلح والأهداف التي ستوجه أسلحة الجبهة القومية. ويسرد المناضل ،عبدالقادر باكثير، هذه الواقعة، وأسماء الشخصيات المشاركة ، في مذكراته عن "بدايات الكفاح المسلح بحضرموت"، بقوله : " في عصر يوم الإثنين الأول من يناير 1967م اجتمعت الشعبة التنظيمية لمنطقة حضرموت في أحد بيوت أعضائها في حارة العبيد بالمكلا لتتدارس ومناقشة أمر هذا الكفاح المسلح في حضرموت، وقد حضر الإجتماع أعضاء القيادة العامة والشعبة التنظيمية في منطقة حضرموت التالية أسماؤهم: خالد محمد عبد العزيز عضو القيادة العامة منطقة حضرموت، وعلي سالم البيض، عضو القيادة العامة منطقة حضرموت، وفيصل علي العطاس، عضو القيادة العامة منطقة حضرموت،وعبد الباري قاسم، المسئول التنظيمي لمنطقة حضرموت المكلف من قبل القيادة العامة، وعباس حسين العيدروس، عضو الشعبة التنظيمية، وسعيد عمر العكبري، عضو الشعبة التنظيمية، وخالد أبوبكر باراس، عضو الشعبة التنظيمية، وسالم علي الكندي، عضو الشعبة التنظيمية، ومحمد محفوظ باحشوان، عضو الشعبة التنظيمية، وسالم محمد تومه، منطقة داخل حضرموت، وصالح سالم الصيعري، منطقة داخل حضرموت، ويسلم محفوظ ديان، منطقة داخل حضرموت، محمود سالم صقران، منطقة داخل حضرموت".
إعلان جمهورية الجنوب
اعلنت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، برئاسة قحطان الشعبي في 30 نوفمبر 1967م ودمجت اراضي السلطنتين القعيطية والكثيرية لتشكل محافظة حضرموت، واجه قحطان الشعبي مشكلة تناقضات القوى السياسية في الجبهة بين قومية وشيوعية فالأخيرة بدأت بالاستقواء بالمعسكر الشرقي. و في يونيو من عام 1969م تمكن الشيوعيين من اجبار الشعبي على التنازل عن الرئاسة بعد مناوشات استمرت طوال فترة رئاسته، وقد تعرض قحطان الشعبي أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية للضرب والإهانة من رفاقه المناضلين وتم سجنه في وقت لاحق و تشكل مجلس رئاسي سيطر عليه اليساريون وانتخب سالم ربيع علي المعروف بسالمين رئيسا لهذا المجلس قبل أن يتم اغتياله من قبل رفاق دربه.
*- نبيل سعيد :شبوه برس - جولدن نيوز