كبرياء باكازم الدهماء .. ( احفروا قبور لأولادي .. فقد ماتوا كلهم )

2016-12-13 19:31
كبرياء باكازم الدهماء .. ( احفروا قبور لأولادي .. فقد ماتوا كلهم )
شبوه برس - خاص - المحفد ابين

 

وصف الله - جلا وعلا -  الموت بالمصيبة ، لعظيم الوقع ، وجلال الخطب ، وهول الفاجعة ، فكلمة الموت  ترسم بوضوح  المعالم الفاصلة بين عالم الحياة  والعالم الأخر ، في لحظة يودع فيها الحبيب حبيبه ،   مرددا وداعا ﻻ لقاء بعده ، كلمات تجتاز حدود المكان ، وحواجز اللغة، فتولد شعورا إنسانيا مشتركا  اسمه ( الحزن )  .

فمن المعيب أن نرى كثيرا من الناس ﻻيرون للموت مهابة ، وﻻ للحزن جلالة ، فيستغل مأساة ذوي الضحايا أبشع أستغلال ، ويوظف الأشلاء المتناثرة لمئآرب سياسية رخيصة، دون مراعاة لأب فقد وحيده ، أو أم فقدت فلذت كبدها ، وترى البعض الآخر يسارع لإتهام فلان من الناس و يبرئ أخر ، موظفا في ذلك كل الحسابات الرخيصة ، والقرائن الدنيئة لكي يدين فلان أو الجهة الفلانية ، وفي المقابل تصاب الألسن البليغة بالفهاهة ، والعقول الحكيمة بالعقم ، عن إيجاد حلا للمأساة ، ووقف نزيف الدم ، ودوي المتفجرات التي تحصد الأروح البريئة ، التي خرجت زرافاتا ووحدانا ، ملبية نداء وطن ﻻيسمعهم .

 

ففصول المأسي لاتزال تتوالى علينا تترى ، لم نكمل  قصة الشاب الذي استدانت أمة من جارتها 2000 رياﻻ  لتوفر لوحيدها أجرة المواصلات  على أن يعيدها فور إستلامه لأول راتب ،  فأحترق جسده في مدرسة السنافر ؛ واحترق معه مابقي من نقود في جيبه وﻻيزال المبلغ  لليوم ينتظر السداد ،  فإذا بي  أسمع قصة حزينة أخرى من طبيب ثقة يقول :  أخبره صديقه المناوب أنه سمع رجل من قبيلة باكازم يتصل بأهله و يقول في رباطة جأش وعزيمة  : ( احفروا قبور عيالي ماتوا كلهم ) .

 يا الله ياالله ، عادت بي هذه  الكلمات إلى مضارب هذه القبيلة البدوية العريقة ، وأخذت اتذكر قراها قرية قرية، وابطالها وأعلامها فردا فردا ،  فلي أصدقاء كثر من أبناء هذه القبيلة ، وحضرت الكثير من مناسبات  الأفراح والأحزان في مضارب قبيلة باكازم الدهماء ، فتأملت كلمات الأب الرابط الجأش المتماسك  ، فخرجت بشيئ واحد ، أنها باكازم كالشجر تموت واقفة ، قبيلة أعطت كل شيئ ولم تأخذ شيئا ، قدمت في كل المراحل خيرة أبنائها ولم تجازيهم الأنظمة المتعاقبة بشئ ، مديريات باكازم - المحفد وأحور - ﻻتوجد فيها خدمات أساسية ﻻ كهرباء ، وﻻماء ،  وﻻمدارس ،  وﻻصحة ، ومع ذلك لم  تولول باكازم يوما ، ولم تشكو الاقصاء والتهميش ، ولم تطالب بمناصب أو مكاسب ثمنا  لماقدمه الأباء والأبناء  كبعض المديريات التي أخذت كل شيئ وتردد ليل نهار نحن مهمشون ، نحن مقصيون ، نحن قاتلنا ، ونحن ناضلنا .

 

 لم تصل مليشيات الحوثي لمضارب قبيلة باكازم ، فذهبوا لملاقاته بأسلحتهم الشخصية وسمع القاصي والداني قراع سيوفهم في جبهة العريش،  وجعولة ، والكراع ، وبير أحمد ، و لودر ، وعكد ، والمنياسة  ، سألت دمائهم في الحواضر  والبوادي على امتداد رقعة اليمن الكبير وﻻزالت تعطي في صمت ، فلله درك من قبيلة !!! احترت في أمرك أقبيلة أنت أم أمة؟؟؟ .

 

اخجلت باكازم بكبريائها هواة المجد ، والباحثين عن الشهرة ، ولجمت بصمتها أبواق الضلال ، وتحطمت على  أشلاء أبنائها كل كبرياء مصطنعة ، لتعلم الصغير درسا في الكبرياء والعظمة ، وتقول : للكبير للمجد سنن ، وللعظمة ثمن ، فالتاريخ ليس مركبا ذلوﻻ فصهوته ﻻيمتطيها إﻻ الفرسان .

 

ذهب الصغار يتبادلون التهم ، وذهبت باكازم وحدها تشق تراب الأرض تواري أشلاء أبنائها ، شقت طريقها الذي ﻻيعرفه الكثيرون ؛ أنه طريق  الصمت ،  فباكازم ﻻتعرف النواح والعويل ؛ فالصراخ والعويل في عقيدة باكازم من صفات النساء وليس من شيم الرجال .

 

 تأملت معنى جملة الكازمي، وتفحصت مفرداتها مفردة مفردة  ( احفروا قبورا ﻻوﻻدي فقد  ماتوا جميعا ) فتذكرت مقولة   الشهيد  القائد شلال  في حرب الوديعة عندما أتته أوامر الأنسحاب فرد بعبارته المشهورة ( بايضحكين علي نسوان باكازم بايقولين شلال ترك محجاه ) وﻻيزال لليوم الجبل الذي استشهد فيه يحمل اسم شلال ، أنها بكازم تنحت أسماء أبنائها  على جبين الصخر ، وتجبر الزمان والمكان على التعاطي مع بطوﻻتها ومآثرها ، وزدت يقينا أن العظمة هبة من الله حين  تذكرت قصة أخرى رواها ضابط لي قال : ( كنا في المعسكر ندرب مستجدين ، فامرتهم انبطاح فانبطحوا جميعا إﻻ شاب ﻻيتجاوز عمره 13سنة ظل واقفا ، قال : فنهرته انبطح ، ظننت أنه لم يسمع الأمر الأول ؛ فأجابني بلهجته الكازمية  فقال :  ( يابوك احنا مالتبطحشئ نحنا نتراشخ بهن واحنا قيام ) فأيقنت أن  للبطولة  منابت ،  ولشرف موارد ، وأن العظمة فطرة و ليست شيئا مكتسبا يشتريه المرؤ بالمال ، أو معجزة  تنفخ فيها روح الحياة منابر الإعلام .

                       سعيد النخعي

             عدن  11/ ديسمبر / 2016م