نبكي وطن لم نعُد ننتمي إليه

2017-04-13 14:18

 

صاح الوطن وبكى الوطن من ظلم وجور مواطنيه ، خذلوا الوطن وباعوا الوطن بأبخس ثمن ، المصلحة الوطنية العليا صارت أخر ما نفكر بها والمواطن الفقير صار ضحية وطن تخلى عنه الكثيرون ممن وليناهم زمام أمرنا بسبب تقديسهم لمصالحهم الشخصية على حساب مصلحة الوطن  .

 

مشكلتنا ليست سببها الرئيسي مشكلة فقر ولا شحة موارد بل العكس الخير وفير من حولنا وفي باطن أرضنا ، ولكننا فقراء بالضمائر الحية و الانتماء الصحيح لهذا الوطن ، مشكلتنا أو مرضنا أصبح كالمرض العضال الذي يدمر كل شيء يقف أمامه  وحتى العقاقير الطبية صار يتعايش معها ذلك المرض بسلام و صارت غير مجدية  ، وأصبحنا للاسف الشديد عبارة عن أجساد فقط  تعيش لتأكل و تأكل لتعيش كباقي الكائنات الاخرى ، وفقدنا ذلك الإحساس بالمسؤولية و الشعور بالوطنية و حُب الوطن .

 

السلطة ورجالها هم وحدهم من أفسدوا ضمائر الكثير من أبناء هذا الشعب من أجل السيطرة عليهم و إستعبادهم لحكمهم لأطول فترة زمنية ممكنة ، السلطة هي من غيرت عقيدة هذا الشعب من الولاء لله ثم الوطن إلى الولاء للحاكم أو المسؤول حتى لو كان زعيماً للفساد و السرقة و الاضطهاد .

 

إذا تأملنا لواقعنا اليوم فسنجد أن غالبية الشعب وبكل فئاته لا يفكر سوى بمصالحه الشخصية وبغض النظر عن تعارض تلك المصالح مع مصلحة الوطن العليا ، المواطن الفقير الشريف الذي لا حيلة له ولا قوة هو من يدفع تلك الفواتير الباهظة الثمن دائماً و أبداً ، يدفعها من قوته ومن قوت أسرته ومن صحته و أمنه و إستقراره ، يدفعها من خلال تلك المشاريع الحكومية الوهمية و المضروبة والتي تذهب أموالها لجيوب أفراد ، يدفعها من عمليات تلك المناقصات المشبوهة والتي هي بعيدة كل البعد عن إسمها ، فغالباً ما تكون تلك المناقصات مزايدات وبأسعار فلكية غير حقيقية ولا واقعية يدفع المواطن وحده ثمن تلك المناقصات .

 

كثير من المسؤولين و القُضاة و المحامين و الضباط و الأطباء وغيرهم إذا تمعنت بالنظر إليهم فستعرف حجم تلك الكارثة و المصيبة التي وقعت على رأس هذا الوطن وذلك المواطن ، تدهور الاوضاع ووصولها لمستوى الحضيض ليس بفعل ذلك المواطن البسيط أو الفقير ولكن بسبب أولئك القوم ممن وليناهم زمام أمرنا فضيعونا وضيعوا هذا الوطن .

 

ثراء فاحش لأولئك المذكورين سالفاً رغم علمنا بوضعهم المالي المتدني سابقاً ، وعلمنا بأن رواتبهم المتواضعة غير كافية لممارسة تلك النشاطات التجارية و الاستثمارية الكبيرة ، أستغلوا حتى معاناة الشعب و أزماته و حروبه و تاجروا بمعوناته و مساعداته وباعوها للتجار وفي الاسواق المحلية جهاراً نهارا من غير وخوف من الله أو تأنيب الضمير ، البعض من المسؤولين الفاسدين يظن أن ما يقوم به من سرقة للمال العام هو عبارة عن فرصة للثراء ولن تعوض تلك الفرصة مرةً أخرى  .

 

إذا تجولنا بشوارع عدن مثلا فسنجد اننا في غابة موحشة مقفرة يأكل فيها القوي الضعيف ، و الآخرين ينظرون بخذلان لتلك المعركة الغير متكافئة ولكنها قوانين الغاب تفرض نفسها على واقعنا المزري المخيف ، لقد أصبحت غالبية الشعب من ذوي النزعة العدوانية الشيطانية ضد بعضه البعض من أجل أن يعيشوا هكذا يقولون  وبغض النظر كيف يعيشون  ، ولن تجد غير القلة القليلة من الشعب من يأمر بمعروف و ينهى عن المنكر ويجاهر بقول الحق ، و البعض قد أفسدته السلطة و تلك المناصب و تحول من الفريق الصالح للفريق الطالح هكذا هي مغريات الدنيا تفسد أكثر مما تصلح  .

 

لا أطيل عليكم لن يساعدنا الآخرين مهما بلغت حجم تلك المساعدات إن لم نساعد أنفسنا أولاً ، وهل نستطيع أن نستفيد من تجارب الآخرين الناجحة أم مصرين على المضي قدما بتجاربنا الفاشلة ، من الرئيس وحتى المواطن نعيش أزمة عدم الخوف من الله ثم من يوم الحساب و العقاب ، نعيش أزمة موت الضمير الجماعي و أزمة عدم الثقة بين الرئيس و المرؤوس ، نعيش أزمة وطن لم نعُد ننتمي إليه كباقي الشعوب المتقدمة المتحضرة ، تحضرنا شكلياً من الخارج و أصبحنا مثل تلك الفاكهة المنتهية الصلاحية قشرتها جميلة و طعمها من الداخل مرير و متعفن ، إذا أردنا الخروج من هذا المأزق الخطير يجب أن نعيد حساباتنا مع الله أولا و أخيراً ثم مع أنفسنا من خلال إحياء الانتماء للوطن في قلوبنا أولاً و بأفعالنا ثانياً  بعدها سنرى ثمرة ذلك الانتماء الصحيح للوطن على حياتنا المعيشية و العملية .