هل تحقق معركة الساحل ما عجزت عن تحقيقه ‘‘جبهة الثقب الأسود‘‘؟

2018-07-05 06:48
هل تحقق معركة الساحل ما عجزت عن تحقيقه ‘‘جبهة الثقب الأسود‘‘؟
شبوه برس - خاص - اليمن

 

في موضوع ضاف إستعرض فيه السياسي والأديب اليمني الأستاذ "عبدالباري طاهر" الرئيس السابق لإتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ونشر في صحيفة "العربي" تحدث عن الثقب الأسود في جبهة مأرب التي ابتلعت مليارات الدولارات وكميات هائلة من العتاد العسكري ولم تححق شيئا ووسمه بـ "معركة الساحل وماذا بعد؟" تساءل في ثناياه "هل تحقق معركة الساحل ما عجزت عن تحقيقه ‘‘جبهة الثقب الأسود‘‘؟"

 

لأهمية الموضوع "شبوه برس" يعيد نشره :

خلال ثلاثة أعوام وبضعة أشهر ظلت المعركة محتدمة من حول صرواح في بضعة كيلو مترات، وفي نهم تدور المعارك خلال هذه الفترة في ثلاثين كيلو متر مربع تقريباً، ولم تحرز قوات الشرعية والتحالف أي تقدم .

 

في تهامة تجمد خط السعودية المباشر: حرض- ميدي. قيادة التحالف: السعودية، والإمارات تقسمتا دعم خارطة الحرب. ففي حين تولت السعودية دعم قيادة الحرب في الشمال بحكم علاقاتها بكبار المشايخ وبنظام صالح وكبار جيشه وأمنه ومحازبيه وصف واسع من الإسلام السياسي، فقد تولت الإمارات العربية المتحدة دعم معركة الجنوب، واستطاع الجنوبيون- بمساندة الإمارات- من الخلاص من الوجود العسكري لصالح وأنصار الله في زمن قياسي، ولعب القصف الجوي دور بطولة. ولهذا التقاسم علاقة بتحالفات كل منهما والأهداف والنتائج المرجوة.

 

استطاع الماربيون، ومنذ البداية، إقامة كيان مصغر وحزام من حول النفط، وأنشؤوا كياناً فيه قيادات موالية للإصلاح ومدعومة من العربية السعودية، وهذا "الكنتون" هو امتداد لسلطة صالح والإصلاح التي كانت قائمة في ظل حكم صالح ومحسن، واستمرت بعد ثورة 11 فبراير الشعبية السلمية وبعد انقلاب 21 سبتمبر 2014، وقد رفدته الحرب بأعداد من الإصلاح من مختلف مناطق اليمن. فما الذي حرف الحرب من الجبهة الشرقية الشمالية بعد أكثر من ثلاثة أعوام إلى الساحل الغربي (تهامة)- معركة الميناء؟

 

واضح أن معركة صرواح ونهم وكتاف ثقب أسود يبتلع الملايين والمليارات السعودية والإماراتية منتظراً المزيد، ولعله ينتظر تحقق الزامل الشعبي إبان حرب الملكيين والجمهوريين في هذه المنطقة:

 

شعب اليمن الله معاك نعم المعين العون ... ياناصر الإسلام والدين

 

ياهازم الأحباش والأتراك والفرعون... باقي معاك الروس والصين

 

التحول إلى جبهة الساحل والتصالح التكتيكي مع الرئيس الشرعي عبد ربه منصور، والسماح له بالعودة إلى عدن قد يكون هروباً من الثقب الأسود، أو الضغط على مليشيات أنصار الله لفرض حل سياسي بعد أن عجز الجميع عن تحقيق الحسم العسكري. فهل تحقق معركة الساحل ما عجزت عن تحقيقه "جبهة الثقب الأسود"؟

 

مأساة الحرب في المنطقة العربية أنها كما يقول الفكر الإسلامي تغيير المنكر بالأنكر، بل هي ثورة مضادة متناسلة ضداً على الثورة الشعبية السلمية الممتدة من تونس وحتى البحرين وما بينهما.

 

عسكرة الثورة الشعبية السلمية وجرها إلى الحرب هدف عام ومشترك للقوى التقليدية والاستعمارية في المنطقة كلها. في اليمن انقلب صالح متأبطاً أنصار الله، ولكن الحرب دائماً ينتصر فيها الأكثر عنفاً وضراوة.

 

المتحاربون الآن في اليمن وعليها : الإسلام السياسي بشقيه، وبقايا نظام صالح مدعومين بالصراع الإقليمي والدولي هم المنقلبون على الثورة الشعبية السلمية.

 

معركة الساحل قد تغري بالسهولة. فالجياع في تهامة، وهم كل السكان، مصدر قُوتهم اليومي الوادي، والبحر. وقد أجدب الوادي بفعل القحط الممتد لأعوام، والبحر عطلته الحرب الأهلية، والبوارج الحربية، والقصف الجوي الذي طال قوارب الصيد أكثر من مرة.

 

الحرب دخيلة على الأهالي ومفروضة عليهم. إنها تشبه إلى حد بعيد حروب المماليك والأتراك في مصر في عصر المؤرخ الجبرتي صاحب كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» في القرن الثامن عشر إبان الحملة الفرنسية حين كان المصريون يغلقون الأبواب على أنفسهم منتظرين ما تسفر عنه معركة المماليك المتصارعين على الحكم.

 

الحرب في اليمن أكثر غرائبية من غرائب كتاب الجبرتي. فالحرب لدى كل الأطراف في وادٍ وشعاراتها في وادٍ آخر. فالمسيرة القرآنية لا تسمع منها غير زوامل الحرب، وهي الزوامل التي تسمعها في التلفزيون والإذاعة ووسائل المواصلات.

 

شعارات الشرعية والتحالف الاثنى عشري مدخولة. فالمطالبة بالمرجعيات في وادٍ، وما يجري على الأرض في وادٍ آخر. القوى المنخرطة في الحرب كلها مليشيات مسلحة لا علاقة لها و لا تؤمن بمخرجات الحوار، ولا بالقرارات الأممية، ولا "تبارك" ولا"عم"، و"نون". ففي معركة الساحل يشترك أعداد من الجنجويد، ومقاتلون سلفيون تجندهم وتحشدهم الإمارات إلى جانب مجموعة طارق محمد عبد الله صالح قائد حراسة عمه علي عبد الله صالح التي لا تعترف بالشرعية، إضافة إلى المقاومة التهامية.

 

المليشيات المتنافرة لا يجمعها هدف، ولا توحدها غاية، والداعمون ضد المدعومين. فهل تحارب السعودية والإمارات ويسفحان المليارات لبناء دولة مدنية اتحادية وديمقراطية في اليمن حسب مخرجات الحوار؟

 

في منطقة تهامة ما يقرب من ستة ملايين جائع ومريض يفتقرون إلى مياه الشرب وإلى الخبز الكفاف، وتنتشر فيهم الأوبئة الفتاكة والكوليرا وحمى الضنك والملاريا والتيفود والبلهارسيا، وغالبيتهم تحت خط الفقر، وهم مشردون داخل أرضهم، أطفالهم يموتون جوعاً، والتقرير المصور الذي أعدته نوال المقحفي في الـ B.B.C فاجع ومؤرق للضمير الإنساني.

 

تهامة التي تعيش كارثة تسيد الاستبداد المطلق لعدة عقود و يشكو سكانها من المتسلطين الوافدين، والمجاعات المزمنة، والأوبئة المستوطنة التي انقرضت من العالم ومن اليمن، وتعود مجددا إلى تهامة مؤزرة بالحرب التي لا تُبقي ولا تذر.

 

الحرب بالنسبة لليمن كلها، وبالأخص لتهامة المسالمة، لا تعني إلا كارثة فوق الكوارث الموجودة. كل اليمنيين منتقصة مواطنتهم، أما تهامة فمواطنتها مفقودة بالأساس.

 

مخاطر الحرب في تهامة الجائعة الخائفة لا تطال مئتين وخمسين ألفاً كما يتردد في وكالات الأنباء، ولاستة ملايين تهامي فقط، وإنما تطال ثمان محافظات تضم ملايين السكان، وهذا هو الأخطر. فميناء الحديدة الهدف الأثير للحرب، ومنطقة تهامة التي تصب فيها أعظم وديان اليمن وأخصبها تزود مختلف مناطق اليمن بالمواد الغذائية والمشتقات النفطية والأدوية وبكل الوسائل الضرورية والأساسية.

 

الحرب في اليمن قتل جماعي، وتدمير للبنية الضعيفة والهشة. لا شك أن تعطيل الميناء، وخروج تهامة من يد الحوثيين يمثل ضربة قاسية؛ لأنها مورد مهم لهم بل هو المورد الأهم، ولكن الأخطر أن مردودها على محافظات سلطة الأمر الواقع، وهم ملايين السكان، هو الأخطر، وهو حكم بالموت على ملايين المواطنين، وهو ما يدركه العالم، ولا تدركه أطراف الحرب.

 

المحاربون الأشاوس لا يرون غير مصالحهم الأنانية والضيقة، يعميهم حقدهم وكراهيتهم عن رؤية ما يلحق بالناس من أضرار وكوارث.

 

معركة الساحل تطول أو تقصر لن تحسم المعركة. فالمعركة في اليمن لا تُحسم إلا بالتخلي عن أوهام الحرب ومغانمها وفيدها، وعقلية تسيد الناس بالقوة، والعودة للمنطق والتوافق على مصالحة وطنية ومجتمعية ضمن المرجعيات الثلاث، والأهم القبول بالتشارك، وعدم انفراد الأطراف المتقاتلة بالحل، فالحل لا بد وأن تشترك في صياغته سلمياً كل فئات وشرائح ألوان الطيف اليمني، وأن يكون المستقلون والشباب والمرأة والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني جزءاً أساسيا ًفيه.

 

لا ينبغي الاستهانة بمعركة الساحل. فتهامة تشكل المورد الأساس بالنسبة لمليشيات أنصار الله. والحشد الكبير الذي يقوده التحالف الاثنى عشري يتجاوز بما لا يقاس قضية الميناء والمطار.

 

المجازر الناجمة عن الحرب من قبل أطراف الحرب كلها مرعبة، والمشردون الفاقدي المواطنة من تهامة قد لا يجدون ملاذاً أو ملجأ. فحرب تهامة قتل للمقتولين، وتشريد للمشردين.

 

الراعب أن المختلفين في كل شيء وعلى كل شيء حد الاحتراب يتوافقون على تخريب وطنهم.

 

الحرب تباعد بيننا وبين مخرجات الحوار، كما تجعل بناء الدولة الاتحادية المدنية صعباً إن لم يكن مستحيلاً، وهي أداة التفكيك والكنتونات، وحرب الكل ضد الكل.

 

المحزن أن الجميع يرى مآل أفغانستان والعراق التي حررتها أمريكا، وسوريا التي حرفوها عن مسارها السلمي ويتشارك في تدميرها الحكم وحلفاؤه والتحالف الدولي بقيادة أمريكا وبتمويل سعودي- خليجي، وليبيا وما يجري فيها من تدمير، ومع ذلك لا يزال الرهان على الحرب قائماًً.

 

«أرى دولاً توزع كالهدايا، وأرى السبايا فيك تفترس السبايا». كنبوءة محمود دريش.