"نجدي حسن" ... الموت الإستثنائي

2019-06-07 07:11
"نجدي حسن" ... الموت الإستثنائي
شبوه برس - خاص - عدن

 

ليس نجدي حسن أول عامل نظافة يموت في عدن .. مات قبله كثيرون وسيموت بعده كثيرون ; وأمثاله كثيرون يموتون في كل يوم دون ان تذكر موتهم وسائل الاعلام ; لكنه أول موت معلن لعامل  نظافة وتشير وسائل التواصل الاجتماعي الى موته والى اسمه وانه مات وهو فوق عمله ينظف شوارع الشيخ عثمان من وساختنا في ثاني أيام عيد الفطر المبارك بدل ان يقضي إجازة العيد مع زوجته واطفاله الثلاثة !! ولولاها .. اقصد الميديا لما علمنا بموته !!  فهذه الفئة من المهمشين الذين يعيشون في أحزمة الفقر وهامش المدن لايهتم الناس كثيرا بحياتهم ولابموتهم وفي كثير من الأحيان يعاملهم المجتمع باحتقار!! ويعيشون في شبه جيتو يمارسون حياتهم فيما يشبه السرية ..

 

 ربما يكون نجدي حسن محظوظا لإنه مات في عصر الميديا فعلمنا بموته الاسطوري ; لكن حياته حتما لم تكن سهلة ولايسيرة كسائر ابناء هذه الفئة من عمال النظافة ; اذ كان عاملا بأجر يومي ولم يكن موظفا حكوميا في البلدية ; وكان يعول اسرته المكونة من زوجة واطفال ثلاثة وربما هذا ما اجبره. على العمل حتى في ايام الاعياد لتوفير لقمة عيش نظيفة لهم .. ولم يمتهن السرقة والتقطع والنهب كما فعل كثيرون غيره مع ان ذلك كان في امكانه خاصة انه يجيد استخدام السلاح ويحمل جراحا من غزو الحوثيين على عدن عام 2015 خلال دفاعه مع بقية اهلها عن المدينة كما أفاد اصدقاؤه بعد موته !

 

      كما كان بامكانه ان يكون رئيس عصابة أوتاجر مخدرات أو سلاح أو قائد ميلشيا أو امتهان مهنة من تلك التي تدر

 

  الملايين و تبيع الوهم للناس ومعه الوطن للذي يدفع اكثر !! لكنه لم يفعل اختار العمل الشريف الذي يجيده تحت الشمس وفي وضح النهار حتى لو كان يدر عليه القليل .. اختار الموت المعلن في يوم العيد ليعرف الجميع بموته على غير مايموت اقرانه بصمت لايعلم بموتهم احد كما لايعلم بميلادهم احد !

 لو كان نجدي من علية القوم وزيرا او ضابطا في الجيش او الشرطة من المقربين .. اوكان شيخ قبيلة اوتاجرا اوحتى ناهب اراضي  لانهالت برقيات التعازي على اسرته من الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ومن النقابات والجمعيات التي تسمى مدنية وحقوق انسان ; ولسارت الجموع خلف جنازته المهيبة الملفوفة بعلم الوطن ; ولأقيم ديوان عزائه في قاعة كبرى في فندق خمس نجوم ; ولدبجت الأشعار والكلمات عن مناقبه وبطولاته وكيف قضى جل حياته في خدمة الوطن حتى ان كانت اكثر الكلمات نفاقا وريا ; او من باب اذكروامحاسن موتاكم .. ليس نجدي حسن من تلك الفئة المحظوظة التي تستهوي اصحاب الفخامـة والسعادة والكتاب والشعراء والمنافقين ليعزوا فيها ; بل هو من فئة اخرى تولد وتعيش وتموت دون ان يعلم بها أحد ; ولايعترف لها المجتمع بحقوق ; وأقلها العيش والموت بكرامة .. وبخبر نعي صغير في وسيلة اعلام وجنازة متواضعة ..ولهذا حمله زملاؤه بعربة جمع القمامة الى مثواه الأخير !!

  ربما يكون نجدي حسن إستثناء الى حد ما لاننا علمنا بموته ; وانه مات وهو فوق عمله , وانه خلف زوجة واطفالا لم يعد لهم من معاش ولامعيل بعده الا الله الذي لاتضيع عنده الودائع ; وانه يحمل جراحا من الحرب التي هزمت الحوثيين والعفافشة في عدن ولم يهرب مثل غيره ; وانه لم يدع بطولة ولاطمع في منصب لإنه حمل السلاح يوما ; بل عاد يمارس العمل الذي يجيده .. نظافة المدينة من قاذورتنا ووسخنا وزيفنا ; ومات وهو فوق عمله ..عاند نجدي حسن الجميع معلنا موته !!  فكم واحد منا يملك مثل هذه الروح .. ومثل هذا الموت الأسطوري ؟!!

*- بقلم : محمد عمر بحاح