القطبيون الجدد.. كيف يفكرون؟!

2021-08-29 11:30

 

المشاهد الصادمة التي تصدرها العاصمة الأفغانية كابول، وإنْ كانت تصيب الناس بالخيبة بعد سنوات ممتدة للأميركيين كانوا يضعونها تحت شعار تقديم الديمقراطية لشعب لم يعرف غير الحروب والاقتتال. اليأس عنوان تلك الصور والمشاهد، فمن شُبان تعلقوا على عجلات الطائرة إلى الرضع المحمولين بين أيادي أمهات وآباء يكسوهم القنوط، ويتأملون أن يحصل أبناؤهم على فرصة حياة أخرى في أي بلاد بعيدة عن بلادهم.

 

البشرية تشاهد ما يحدث في مدرج مطار كابول بقلوب حزينة وعيون دامعة غير فئة واحدة ترى في المشهد ما لا يمكن للبشر أن تراه، فهي لها عيون غير العيون وقلوب من حديد وعقول من حجر. «القطبيون» وهم أولئك المؤمنون بما خطته يد سيد قطب في كتبه من «في الظلال» إلى «معالم في الطريق».

 

هذه الفئة تنحدر من نسل عقلية حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» في عام 1928، ما أخفاه المرشد الأول وأضمره في سره كشفه «قطب» بعد سنوات في استثمار للحاكمية كما اعتقدها في أدبياته وحورها لأبعد ما يمكن من تطرف في العقيدة، حتى أنها أجازت تكفير الآخر لتمرير فكر الجماعة، وقد يكون بالغ التعقيد تفكيك العلاقة بين نشأة الفكرة، وتصلبها بين الرجلين، لكنها تظل عملية لها خصائصها في سياق التطرف العقائدي. القطبيون ليسوا نواة التكفير وحسب، بل هم دون غيرهم مركز التفكير في جماعة «الإخوان»، فعندما أبرم الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد كان ذلك التيار يؤصل لعملية «المنصة» وليس فقط اغتيال السادات، بل اغتيال الجمهورية المصرية كلها.

 

زرعوا في «الجماعة الإسلامية» الفكرة، وانتظروا التنفيذ، وتحقق مقتل الرئيس السادات ولم تسقط مصر. وبعد سنوات وعندما كان العرب منشغلين في تداعيات غزو العراق للكويت، كان التنظيم بكبار قيادته ينظم «المؤتمر العربي الإسلامي» في الخرطوم، ويضع مخططاته للانتقال لمرحلة التمكين، التي كان تنسج خيوطها الجماعة على أثر الانقسامات العربية. المخطط كان يرتكز على القوة الصلبة، التي أنشأها التنظيم إبان حرب أفغانستان، وتشكيل حركة الأفغان العرب وتأسيس تنظيم «القاعدة».

 

«القطبيون» كانوا قد وسعوا من مخالبهم في اليمن والسودان والصومال، وما تلا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 من تصاعد لعمليات تنظيم «القاعدة» كان بمثابة الأرضية لإطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد، فلقد شكل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من قواعده السياسية الأرضية لتغيير خرائط المنطقة وفرض قياداته ومكوناته على الشعوب العربية والإسلامية.

 

«الربيع العربي» كان نقطة الانقضاض على الدولة الوطنية العربية، وتشجعت القوى الإسلاموية مع اهتزاز النظام المصري كواحد من المستهدفات الرئيسية لما تمثله مصر من الكينونة العربية، فسقوط القاهرة كان الزلزال الذي استشعر فيه تنظيم «الإخوان» أن أنصاره حققوا غايتهم، لذلك أظهروا ما خلف الستائر ومدوا الجسور إلى إيران وتركيا. فمشاريع الإسلام السياسي كانت تعيش نشوة القبض على القاهرة، وكشفت الوجوه، واعتقدوا أنهم حصدوا ما بذره «البنا».

 

التاريخ يقول إن جماعة «الإخوان» تفكر في اتخاذ خطواتها من رحم الأزمات السياسية الشرق أوسطية، وفي خضم أزمة الانسحاب الأميركي من أفغانستان وربما من مناطق أخرى، هناك وقائع ميدانية وسياسية منها سيقرر التنظيم الخطوة التالية، فهو خسر للتو في تونس وقبلها مصر والسودان، غير أنه يحاول أن يمتلك الشرعية السياسية في اليمن، إلا أن سيطرة طالبان على أفغانستان، يراها البعض فرصة لتعزيز من مخالب التنظيم، وربما تفتح المسارات لقراءة الخطوة التالية لتنظيم يشعر باضطراب وعدم اتزان قد تكون استثنائية في تاريخ «الإخوان».

 

صحيفة الاتحاد