الثقافة المجتمعية الغائبة

2013-07-08 06:40

تمتاز بعض الشعوب والأقوام والاثنيات بخصائص ثقافية ومجتمعية وفكرية تجعلها قادرة على صناعة الحضارة ومواكبة الحاضر ورسم المستقبل والتأثير فيه ، هذه السمات والميزات المسماة " الثقافة المجتمعية " أو " الثقافة الجمعية " يتوارثها الأفراد والأشخاص والجماعات ، ويختزلها الذهن الجمعي والنسيج الثقافي والفكري للأمة بواسطة هذه الثقافة في معناها الواسع والجمعي العاكس لخصائص المجتمعات والتنوعات البشرية مكّنت الشعوب الحضارية من الاستفادة واستثمار وسائل العصر وحقائق المجتمع ومعطيات البشرية لتقود موكب الحضارة والبشرية ، وتتصدر مدارج الحضارة والعلم والإبداع فيما يعرف بـ" فن الحياة " الداعي للاستفادة من حقائق الحياة وإفرازات المجتمع وتنوعه لتصير ثقافة وفكر وحضارة مغروسة في المجتمع وشرائحه ونخبة المجتمعية والسياسية تدفعه للتجدد والابداع .

 

الثقافة المجتمعية للشعوب والأقوام الفاعلة والمنتجة للحضارة والفكر والمؤثر في محيطها وعالمها تترسخ في أزمان متباعدة وتساهم أجيال متعددة في تشكيل الثقافة الجمعية للشعوب ، لكن الأديان تعطي مجتمعاتها ثقافة وسلوك أوسع ومتسامح غالبا ، كما ان تاريخ الشعوب وتشكل الاثنيات والهويات القومية تنعكس سلبا وإيجابا على معاملة وحياة مواطنيها ، وللبيئة الجبلية أو الصحراوية أو الخضراء أو القاحلة تأثير قوي في تسامح الشعوب وقبولها بالآخر وعصرنتها وانفتاحها ، فالبيئة الخضراء والنهرية والبحرية تساعد في امتزاج الشعوب وتهذيب طباعها وسلوكها ، فالثقافة المجتمعية على الرغم من تشكلها من عناصر متعددة وأزمان متباعدة ، إلا أنها متغيرة قد ترسمها عوامل حديثة وتفاعلات بسيطة مثل الوضع الاقتصادي والتعليمي التي تساهم بإخراج  المجتمعات من عزلتها وتؤهلها لتكون قادرة على التواصل مع الآخرين وتقبلهم .

 

إذا أردنا تلمس مظاهر الثقافة الجمعية لمجتمعاتنا نرصدها في تراثها الأدبي وأثارها ، والاهم الأمثال الشعبية المتداولة التي ترسم لوحة القيم والأخلاق والسلوكيات المعاشة ، فالنظرة للمرأة وحقوق الطفل وقبول المخالف ونسبة الأمية وقوة التعليم وغلبة التسامح نحو الجنس وللدين والمذهب تستطيع ان توصف ثقافة المجتمع بالايجابية أو السلبية .

كما ان السلوكيات والممارسات الحياتية اليومية تعطيك صورة للحكم على إبداعية المجتمعات من خلال الكتابات في الأماكن العامة مثل محطات النقل والاستراحات واحترام المقدسات والأماكن العامة كالمساجد والكنائس والملاعب والحدائق والمتنزهات ، فتسجيل الذكريات الشخصية والآراء السياسية على أبواب الحمامات العامة والمساجد صفة الشعوب المتخلفة ، والكتابات على السيارات كعبارة " عين الحسد تبلاء بالحسد " تؤشر لشيوع الصراع المجتمعي والانسياق وانتشار الحسد والتنازع ، وتعطيك الأحاديث والثرثرة مع الطبقة البسيطة كالسائقين والحلاقين مقياسا سلبيا إذا تغلب الطابع السياسي والانغماس في الماضي وتجاهل المستقبل ، كما ان قلة الحديث وانخفاض الصوت وحسن الاستماع ينبئك بجدية المجتمع وعلو ثقافته وجديته .  

تخلو مناهجنا ومدارسنا وجامعتنا ومساجدنا وخطاباتنا من القيم الحضارية والإنسانية كالتربية وتطوير القيم الأخلاقية ونشر أجواء وثقافة التسامح والحوار والنقاش وتقبل الآخرين وتفهم أفكارهم وأطروحاتهم ، فمناهجنا التعليمية تتصف بالجفاف وتجاهل نشر وتكريس للقيم الإنسانية والحرص على تربية أبنائنا وأجيالنا على قيم التسامح والعمل والنشاط عبر سياسية تعليمية مرنة قائمة على الإقناع والحوار والنقاش ، أما السياسية التعليمية الدينية القائمة على تصنيف الناس إلى كفار ومشركين وسيادة نهج التهديد والوعيد لا تخلق إلا جيلا ونشئا عنيفا ومتشددا وضيق النظرة والأفق . حرصت وسائل الإعلام والميديا على تعميم ثقافة الصراخ وتبادل السباب والشتم لتؤسس لثقافة العنف والإقصاء ، وتدفع الصراعات الدينية والمذهبية والسياسية إلى تسطيح الفكر والتعصب للرأي والحكم على الأشخاص وتجنب مناقشة الأفكار والرؤى وعدم تطويعها لخدمة المجتمع وإرساء السلم الاجتماعي وتعزيز قيم التسامح والعمل والانفتاح على الحضارات والشعوب واستيعابها والقبول بها