‘‘ السلفية ‘‘ قضية للنقاش

2015-02-19 17:28

      

أشغلت السلفية وفكرها مراكز البحث الغربية الحزبية والسياسية والعلمية وبدا هذا الاهتمام يزحف ببطء على وسائل الإعلام العربية وهي المساحة الفعلية التي تلعب فيها هذه الجماعات وتروج  لفكرها وتنفذه سلوكا ورؤية وواقعا ، والدواعي التي أدت إلى هذا الاهتمام المفاجئ ما تشهده الساحات العربية من ثورات واختفاء لقوى تقليدية ممثلة في أحزاب ذات فكر علماني وقومي وثوري وظهور قوى أخرى ممثلة في جماعات إسلامية وأصولية كانت منزوية أو في الظل لم يعرف الباحثون عن فكرها أو سلوكها بالسلب أو الإيجاب .

 

يدور في المطبخ الغربي وخصوصا الأمريكي صراع بين تيارين : التيار الأول تمثله وزارة الخارجية الأمريكية وهي تنظّر بان الأنظمة والأحزاب العربية التقليدية غير قادرة على الإصلاح وان الجماعات الإسلامية هي الأقدر والأكثر تجذرا اجتماعيا وهي بدورها تنقسم إلى قسمين حركات متطورة ومرنة وقادرة على أحداث التغيير يجب دعمها وهم الإخوان المسلمين وحركات سلفية عنفية مثل تنظيم القاعدة غير قابلة للتطور ويجب محاربتها ، فإذا دعمت الأولى أضعفت الثانية ولذلك عملت وزارة الخارجية الأمريكية على نشر وثائق ويكيليكس التي ساعدت وهيئت لانتشار هذه الثورات كانتشار النار في الهشيم ، والتيار الآخر الرافض وربما المتشكك في هذا التبسيط هو وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاجون " الذي يرى ان الأنظمة العربية أنظمة ذات طابع علماني ولها القدرة على فرملة وإضعاف للحركات الإسلامية العنفية وبان حركة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية لم تنضج فكريا ولا سياسيا ويجب عدم المغامرة في دعمها وتمكينها ، والأحداث التي جرت وتجري في الدول العربية أظهرت الخوف من الحركات الإسلامية ولا سيما السلفية منها ، ففي مصر ظهرت الحركات السلفية قوية جدا وبدأت تصطدم بالمجتمع وبحركة الإخوان المسلمين ، والصحف المصرية لا تخلو يومياتها من التحذير من خطر هذه الجماعات وترهيبهم للمجتمع المصري من تكفير المجتمع وتحطيم الأضرحة ويقال ان السبب الحقيقي وراء انسحاب القوات الأمريكية من حلف الأطلسي في ليبيا ان البيت الأبيض أرسل مجموعة من الإعلاميين إلى بنغازي لاستطلاع حقيقة المجلس الانتقالي وان تقاريرهم حذرت من تمكن الجماعات الإسلامية السلفية والاخوانية على تركيبته ؛ مما دعا " غيتس " وزير الدفاع للضغط على الرئيس الأمريكي للانسحاب من الأعمال العسكرية بليبيا ، وتواصل الخوف من الحركات السلفية على اثر الأحداث في سوريا وتونس والأردن .

 

المشكلة الأولى التي يواجهها الغرب مع هذه الجماعات التعميم الذي أطلقته بعض المراكز الغربية في التعامل مع الحركات الإسلامية وثانيها ان الحركات السلفية تشهد حراكا ثقافيا وسياسيا وفكريا والبعض يعبر عنه بالصراعات داخل التيارات السلفية وان هذا الصراع قد يؤدي إلى التصادم والعنف . يبرز في الحركات السلفية ثلاث حركات واضحة وهي : السلفية الجهادية التي تتبنى العنف وصولا إلى تحقيق مأربها ، وهناك السلفية التعليمية التي ترى ان المجتمع غير قابل لتطبيق الإسلام ويجب تعليمه وتثقيفه ، وهناك السلفية الحركية التي تقبل بالعمل السياسي والاشتراك في الانتخابات وهي تتوافق مع الإخوان المسلمين في جواز العمل السياسي .

 

الحركات السلفية على اختلاف مشاربها تتفق على مرجعيات كليه وعامة جدا وتختلف في النظرة من القضايا العصرية والحديثة فهذه الجماعات يجمعها مرجعية الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح لنصوص القران والسنة ، وإرجاع كل حادثة إلى السلف فإذا لم توجد فهي محدثة وبدعة ، والولاء والبراءة من الكفار ، وحاكمية الشرع ، والذي أدى إلى تشظي هذه السلفيات النظرة إلى المستجدات العصرية والحديثة وتتمثل في : حاكمية الشرع : بعض الجماعات السلفية تقبل بالعمل السياسي ودخول البرلمانات والمجالس التشريعية من اجل تغيير هذا التشريعات من اجل اسلمة المجتمع وبعض الجماعات ترفض الانخراط في هذه المجالس والبعض يوافق على الاشتراك  فيها ، والناظر في فكر هذه الجماعات يستنتج بأنه لا يوجد رأيا موحدا أو متقاربا حول حاكمية الشرع من قبل هذه الجماعات ، الحريات الشخصية : ترفض كثير من الجماعات الحريات الشخصية وتعتبرها ماخوذة من القوانين الغربية وهي تشن حروبا وصراعات  فيما بينها وبين المجتمع والدولة حول شرعيتها ، الخلافة الإسلامية : لم يتبلور مفهوم حول الخلافة هل تكون سياسية أو اقتصادية أو جغرافية وكيف يتم تطبيقها بالحوار والتربية أم عن طريق العنف والإكراه ، الدول المدنية والدولة المدنية : مفهوم الدولة المدنية شهد كثير من التفسيرات لكن ما يفرق بين الدولة المدنية والدولة الدينية مفهوم المواطنة التي تقبل بالجميع .

 

هذه قضية مطروحة للنقاش ويفترض ان نقبل بالسلفية ونظهر فكرها إلى النور لان أي حركة يتم محاربتها تنشئ فيها الأفكار المتطرفة وتأخذ دورا رافضا للمجتمع وكثير من الحركات تكون ذات طابع عمومي ومع انصدامها بالمجتمع والواقع تتأقلم مع الواقع وتتلاشى كثير من أفكارها غير الواقعية ، وقد أغفلت كثير من الحركات السلفية مصطلح " التجديد " وقد نص حديث في مسند احمد مرفوعا " ان الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها " أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

* فائز سالم بن عمرو

كاتب وباحث من حضرموت