الهروب من مشنقة إلى مشنقة فرج

2023-03-20 18:55

رفع منسوب المعاناة ،توسيع رقعة الحصار ،تضييق سُبل العيش على المقاتلين ، وقف إمدادات الذخيرة والسلاح التقليدي والنوعي ، إصدار أوامر حاسمة بوقف الجبهات شمالاً قدر الممكن ، وإبقائها في حالة دون مستوى الإستعداد القتالي، تشكيل قوات رديفة لديها من الإمتيازات المالية الجاذبة الكثير ، ورسم مهام غامضة لها كقوة إحتياطية خارج مسرح العمليات مع الحوثي ، ووضع مهامها بيد رئيس مجلس القيادة للإستقواء بها في صراع القوى الداخلي.

واخيراً جعل جراح المصابين تتعفن في المشافي المحلية في عدن ، لخلق لدى قاعدته الصلبة حالة من الضيق والتبرم من وضع القوات ، وتحميل المستوى السياسي مسؤولية هذا التردي، التوجيه للإمارات بتخفيض الدعم بالرواتب للقوات الجنوبية ورفع يدها عن إعمار المناطق جنوباً مقابل تعزيز حضور قوى أُخرى مادياً وإعلامياً ودفع قيادتها للصدارة ،بمنحها جملة من المشاريع ذات الصلة بحياة الناس ، لتصديرها إلى مقدمة المشهد ، وهنا نقصد طارق صالح ، الإنفتاح المحتمل لأبو ظبي على الحوثي وإجراء حوارات عير معلنة ، لها تبعات مكلفة على حلفاء الإمارات في الرقعة الجنوبية ، ورسم مواءمات مع توجهات القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة -السعودية - دون تصادم مشاريع معها.

جميع هذه الخطوط موجهة ضد طرف واحد في الصراع هو الإنتقالي ، الذي لايبدو أنه جاهزاً لقبول تسوية مخصوم منها فك الإرتباط ، والتنازل عن شعاره المتماس مع قاعدته السياسية الإجتماعية ، أي إستعادة الدولة على قاعدة حل الدولتين ، الذي يلقى معارضة متنامية من الرياض ومجلس التعاون الخليجي ، آخر تلك المواقف تجديد أمينه العام البديوي في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية في نواكشوط ١٩ مارس ، الألتزام بالحل السياسي وفق المرجعيات الثلاث ، ووحدة الأراضي اليمنية، وهو إجماع خليجي وإن لم تجاهر بعد بمثل هكذا مواقف حتى الأن لكن الإمارات لن تغرد في مطلق الظروف خارج السرب ، وتتحدى الإجماع الخليجي وطبيعة التوجهات التي ترسمها الرياض.

نحن مقبلون على خلط أوراق ، اولاً بتليين مواقف الإنتقالي بالضغط السياسي المادي بخفض سقوف تأثيراته المحلية ، وخلق الأجسام البديلة أو في أحسن الأحوال المزاحمة له في موضوعة التمثيل ، وإبقاء خيار التدخل الجراحي والإقصاء بالقوة المسلحة قائماً ، عبر قوات “درع الوطن” المشكلة سعودياً وذات الطابع السلفي المتماثل مع قوات العمالقة ، مايسهل الإختراقات والإستقطابات والقضم من داخل مصادر قوة الإنتقالي ، وكذا غض النظر عن تنامي شرعية سلطة الإخوان المهيمنة على الجيش الرسمي ، والمدججة بالمعسكرات غير النظامية في المناطق المتاخمة للجنوب والقريبة لعدن وتداخلها مع أنشطة القاعدة .

رحيل الإنتقالي لموسكو محاولة للهروب من كل هذه الضغوط ، وتخفيف سقف المخاطر ، والتأهب لمرحلة حاسمة واضحة الخيارات :

صدام مقبل ضد الجنوب ، وإبقاء قضيتة بلا حلفاء إقليميين، وبالتالي كخط سير إجباري عليه التوجه شرقاً وتنويع مراسلاته لعناوين بريد الحلفاء ، بحثاً عن مساحة جديدة للمناورة بين شواغر وهوامش الصراعات الدولية ، وتقديم محفزات لروسيا بإستعادة مناطق نفوذها التاريخي ،في منطقة هي معقل تقليدي للنفوذ الإمريكي ، ما يمنح موسكو عبر البوابة الجنوبية بممراتها وموقعها الجيو سياسي ، ورقة مساومة إستراتيجية لإعادة رسم خارطة المصالح وتبادل الملفات ، من الطاقة وحتى النزاعات والحروب الإقليمية.

هل يدعو الإنتقالي لتدخل مضاف في اليمن ؟

الهروب من مشنقة إلى مشنقة فرج.

أو ربما هكذا يفكر، فكل تدخل لا يمكن أن يكون خيرياً وبلا ثمن.

خالد سلمان

.