في ديسمبر 2022 كتبنا مقالا حول الأحكام العرفية في محافظة شبوة واليوم نكتب عن الأعراف القبيلة التي كانت ولازالت تحكم المجتمع القبلي في شبوة.
عرفت القبيلة تاريخيا كأول تكتل بشري عرفه الإنسان وهذا التكتل كان الغرض منه حماية القبيلة نفسها وممتلكاتها من غارات "القبائل" الأخرى التي كانت في حروب متواصلة من أجل الماء والكلاء.
وكل قبيلة تتميز عن أخرى بعادات وتقاليد تختلف نسبياً أو جذرياً عن الأخرى وكلما كانت تلك القبائل متجاوره كانت عاداتها واعرافها متشابهة، والعكس كلما تباعدت اختلفت تلك الأعراف والتقاليد وهذا يرجع إلى طبيعة المناطق التي تسكنها واجتهادات شيوخها وقضاتها في الأحكام والفصل في القضايا.
ومحافظة شبوة بشكل عام مجتمع قبلي لديه من العادات والتقاليد والاعراف الكثير التي كانت بمثابة نظام وقانون يفرض على الجميع ويحترمه الجميع، وهي قوانين غير مدونة ولا مكتوبة بل كانت متوارثة يرصخ لها الكبير والصغير، يحتكمون إليها، وقبولها إجباري غير خاضع للنقاش.
وكان لها الفضل في الحفاظ على تماسك القبيلة وبالتالي النسيج الإجتماعي في محافظة شبوة.
ومن تلك الأعراف نأخذ أمثلة تجنبا للإطالة وهي: - الصلح - والعُرضة - والرباعة - وهذه كمثال فقط لفهم معنا العرف القبلي ومايترتب عليه من أحكام.
- عرف الصلح: عندما تنشأ مشكلة بين قبيلتين تتدخل القبائل الأخرى وتعقد صلح مؤقت بين الطرفين يطلقون عليه (صلح تقي نقي) اي لا يكسر ولا يغدر ولا يُعاب فيه وله درجات، وغالبا يكون الصلح في وجه الشيخ (العاقل) أو أحد كبار العشيرة أو القبيلة. وأحيانا يكون الصلح في وجيه الوسطاء الذي حضروا لعقده بين المتحاربين.. وهذا له أيضا حالات: اما ان يكون صلح حمالة (يكون من أخذ الصلح حميل وضمين بين المتخاصمين) أو يكون صلح بدون حمالة في وجهه على الطرفين ومن كسره منهم يصبح غريمه وعليه حكم.
اما اذا كان الصلح بين المتحاربين وفي وجيههم له أحوال مختلفة اذا كسر من طرف من الأطراف وهو غالبا يكون صلح من طرف واحد اذا كُسِر يكون سواده في وجه الصليح لغريمه لحين التقاضي والمقاصة بينهم يدعيه خصمه في عيب الصلح.
للصلح أيضآ حالات كثيرة ذكرنا بعضها.
- عرف العرضة: العرضة تعلن عندما يتوفى احد المشائخ والمراجع الدينية الكبيرة، ينادى في الأسواق بعرضة فلان المتوفي وهي "صلح" شامل بين كل القبائل المتقاتلة ويكون الصلح في وجيه ذوي الشيخ المتوفي.
كذلك (السادة العلويين) عندما يتوفى أحدهم ينادون بعرضة بين القبائل ومدتها تختلف من سته شهور إلى سنة حسب منزلة ومكانة المتوفي في الحالتين، وهذه العُرضة اذا خرقت فيها حكم كبير يُحكم به على من خرقها ويكون الحكم من 700 إلى 1000 ريال نمساوي (ماريا تريزا) وهو مبلغ ضخم جدا في الزمان الأول.
- عرف الرِباعة: وهي ان يأتي شخص أحدث حدث في قبيلته أو كانت عشيرته قليلة لاتستطيع مواجهة الخصم ويطلب الرباعة (المجاورة والحماية) من قبيلة أخرى واذا قبل طلبه ترسل القبيلة مرسول أو مكتوب إلى خصومه يعلمونهم ان فلان ربيع عندهم "كافت ومكفوت" أي (انه سيمكث عندهم ولن يحدث اي شيء مادام في رباعتهم.
والرباعة له أحوال مثل سابقاتها فأما ان تكون:
رباعة كافت ومكفوت اي (لايعتدي ولا يُعتدى عليه مادام ربيع)، أو يكون ربيع (ماء وشجر) يتحمل حمل نفسه لاعلاقة للقبيلة التي ربعته، وهذا يطلبه الربيع نفسه فهو من يحدد نوع رباعته.
ومنها أيضا من لاتكون له ربعة إنما (خو عند خوه) خاصة إذا كان من القبيلة نفسها وهي حالة نادرة.
هذه نبذة مختصرة جداً حول تلك الأعراف التي اوردناها لكي نفهمها ونعرف معناها، لأننا نرى في الحاضر ان بعض الناس يتجاهلها ويستجهلها ولايعلم انها كانت دستور وقانون حاكم حافظ على كيان ومقومات القبيلة التي ينتسب إليها اليوم.
هذه الأعراف القبلية لها أصول وأساسات ثابته تعرفها مراجع القبائل وأيضاً يعرفها وجهاء القبائل والفقهاء والحكام، واي عرف يكون في فهم حالته لَبس يتم اللجوء إلى إحدى هذه المراجع لتوضيح الحالة العرفية الخاصه به.
نحن بحاجة في هذا الوضع الذي نعيشه من غياب الدولة إلى أن نتمسك بتلك الأعراف لنسير حياتنا، لأننا نشاهد عزوف وتجاهل من البعض لهذه الأعراف جهلا بأهميتها مما ينتج عنه مشاكل لها اول وليس لها آخر من الثأر والتقاتل والإبادة، ولو تم الاحتكام إلى تلك الأعراف الجيدة لحلحلة كثير من القضايا وخاصة الدماء.
عبدالله سعيد القروة ـ عتق شبوة
١٨ أغسطس ٢٠٢٣م