لا داعي للأشعة ما تحت احمراء لكي نرى الشيطان وهو يرقص في رأس هذا الرجل . أكثر بشاعة بكثير من أن يكون كاليغولا أو أن يكون دراكولا . انه دونالد ترامب الذي قال بوب وودورد وروبرت كوستا , في كتابهما "PERIL " , انه الكائن البشري الذي تخرج النيران من أذنيه . أما صديقه , وكبير مستشاريه السابق , ستيف بانون فقال "لطالما حاول تقليد آلهة الاغريق , وآلهة الرومان" , دون أن يدري ما كانت النهاية التراجيدية لهؤلاء الآلهة ..." .
حقاً , نحن في حيرة من أن نضع اسمه , أو صورته , بين أسماء , وصور , الرؤساء الأميركيين . قد يكون هناك بينهم من عمل بطريقة أو بأخرى على توسيع الولايات المتحدة بعدما كان عددها لا يتعدى الـ13 ولاية . ولكن لا أحد بجنونه وفي كذبه . كيف لرئيس أميركي أن يكذب , ولو بحجة الخديعة , وبتلك الطريقة الفاضحة . الكتب المقدسة لم تذكر أن الشيطان يكذب . اذ يرى فيه أتباعه "المبعوث الشخصي لله" , قد يكون ظهر في هذا القرن ليكون الشيطان الآخر , بعدما شاخ الشيطان , وبات عاجزاً عن الاحاطة بالحالة البشرية .
حقاً , لماذا يضطر رئيس أميركي , وهو الذي يقود الكرة الأرضية , للكذب ؟ لاشيء سوى أنه الساذج , والمخاتل , والغبي الذي لا يدرك ما هو العالم , وما هو التاريخ . حتى أن "الفورين آفيرز" تسأل كيف ينظر اليه فلاديمير بوتين وشي جين بينغ بعد الآن . انه الكاوبوي الذي يقتحم , بحصانه , الحانات الخشبية , ويردي بالنار من فيها , وهو في الطريق الى الغرب الأميركي . حتى أننا لم نسمع قهقهات يهوذا , وهو يرى السيد معلقاً على الخشبة . لكن قهقهات الرئيس الأميركي تخترق ما هي أبعد بكثير من أسوار البيت الأبيض الذي لا نعتقد انه يصلح ليكون المصح العقلي أو كرنفالاً للمجانين ...
قال انه ضد الحروب , وضد الصراعات , لا سيما في الشرق الأوسط الذي كما لو أنه يسير بين الأعاصير , لا بين الأزمنة . في ذلك الفجر الأسود شن ترامب الحرب , بالقاذفات والقنابل , الأشد هولاً . ولكن ألا يشكك كبار الخبراء العسكريين بنجاحه في تدمير مفاعل فرودو الذي عجز توأمه الروحي بنيامين نتنياهوعن معرفة حتى مكانه , وهو الذي يعتبر درة البرنامج النووي الايراني لاحتوائه على أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً ؟
كلام كثير عن وجود أكثر من طريق حلزوني للوصول اليه , وأنه على عمق يتجاوز بكثير قدرات قنابل الـ "GBU ـ 57 " , حتى أن هناك خبراء يرون أن تدمير المفاعل يحتاج الى قنابل نووية أو الى عملية برية تفجرالجبل الذي يوجد في قلبه .
أي رئيس دولة يعتمد على حدسه الشخصي , أو على قناعته الشخصية , لا على تقارير أجهزة استخباراته , بقدراتها الهائلة , في معرفة ما اذا كان الايرانيون يصنعون القنبلة النووية أم لا ؟ هذا ما فعله ترامب الذي وصف مديرة جهاز الأمن الوطني تولسي غابارد بـ "المخطئة" , وكذلك سائر قادة الأجهزة . الأجهزة اياها التي طالما فاخر الرؤساء الأميركيون بأدائها , وان كان معروفاً أن بعض هؤلاء الرؤساء استخدموها لأغراض استراتيجية خادعة كما حدث في السيناريو الخاص بغزو العراق , بذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل , وكانت عبارة عن براميل من الكلس .
ثم قال انه أعطى الايرانيين مهلة أسبوعين . واللافت أنه ابلغ قادة أطلسيين , وكذلك قادة خليجيين بذلك , لا مشكلة في أن يخدع الجميع , وأن يكذب على الجميع , ما دام العالم كله بين يديه . مشكلته أنه يريد أن يدخل الى التاريخ ولو من ثقب الباب , بعدما كتب الكثير عن المنطقة الفرويدية في شخصه , كما لو أن شبح وودرو ويلسون الذي دخل الى الحرب العالمية الأولى , وشبح فرنكلين روزفلت الذي دخل الى الحرب العالمية الثانية , يلاحقانه . هل تراه يشعل الحرب العالمية الثالث , ما بات مستحيلاً بعدما باتت المعادلات النووية هي التي تحكم العلاقات بين القوى العظمى ؟
ولكن ألا يخشى المفكر الجيوسياسي الروسي الكسندر دوغين من أن يكون ترامب قد اصيب بـ "متلازمة ترومان" لكي يتمتع بالدمار الأبوكالبيتي الذي تحدثه الضربات النووية . هل ثمة من حدود لما يفكر فيه الشيطان (هنا الشيطان الآخر) ؟
الآن يدعو الايرانيين الى التفاوض . التفاوض على ماذا اذا كان قد قال أنه "محا" البرنامج النووي الايراني , الا اذا كان يريد أن "يمحو" البرنامج الباليستي , باعتقاده أن آية الله خامنئي سينحني بين يدي الجنرال مايكل كوريلا مثلما انحنى الأمبراطور هيروهيتو بين يدي الجنرال دوغلاس ماك آرثر . هنا الحديث عن ترامب الذي , على خطى نتنياهو , لا يعرف ما اليوم التالي بعد ايران . استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية مئير مصري قال الجزائر بعد ايران ...
لن نسأل أي شرق أوسط بعد الآن , وانما أي أميركا بعد الآن , وحتى أي عالم بعد الآن اذا كان الرجل الذي في مقصورة القيادة على ذلك المستوى من السقوط الأخلاقي , والسقوط التاريخي . بعد ذلك الهجوم غير المبرر على الاطلاق حين يهرب من الترسانة النووية في الشرق الأقصى (كوريا الشمالية) , ومن الترسانة النووية في الشرق الأوسط (اسرائيل) , الى المفاعلات الايرانية التي لا دليل البتة على دخولها الى العتبة النووية .
بافتتان يتحدث برنار ـ هنري ليفي عن "أمبراطورية يهوه" . هل هي أمبراطورية ترامب أم أمبراطورية نتنياهو ؟ اثنان على خط الجنون . التاريخ حافل بالأمثلة حول نهاية المجانين ...