من المؤسف أن يتعامل بعض المجتمع الدولي والإقليمي مع الجنوبيين سواء عبر المجلس الانتقالي أو غيره باعتبارهم حلفاء ظرفيين، بل ويظن البعض أن الجنوبيين كغيرهم يقبلون دور المنفذ أو التابع.
لكن الحقيقة التي تتجلى يوماً بعد يوم، أن الجنوبيين لم يرضوا ولن يعودوا يرضون بأقل من أن يكونوا شركاء في القرار وصنّاعاً لمستقبلهم في أرضهم وهو حق مشروع أخلاقيًا وقانونيًا.
لقد تخلّقت في الجنوب معادلة جديدة، لا تقوم على الحب أو الكره تجاه أي طرف يمني، سواء كان من بقايا الشرعية أو من جماعة الحوثي والإخوان أو غيرها، بل تقوم على رؤية استراتيجية صلبة، هي أنه لا يمكن للجنوب أن يظل رهينة لتناقضات القوى اليمنية أو ضحية لصراعات إقليمية ودولية لا تخدم مصالحه ولا تعني شعبه.
هذا التحوّل لم يأتِ من فراغ، بل فرضته طبيعة الواقع الجديد. الجيل الجنوبي الحالي، الذي يمثل الغالبية الساحقة من السكان، لا يعنيه تاريخ النخب القديمة ولا فشلها بالوصول بالشعب الجنوبي إلى مبتغاه في الاستقرار والتنمية فهي لا تهتم لا بتاريخ ثورة أكتوبر، ولا أحداث يناير، ولا اتفاقيات الوحدة مع اليمن، ولا بسرديات من تبقى من قادة تلك المراحل لأنه يعيش كوارث نتائجها وتبعاتها اليوم.
هذا الجيل يريد حياة مختلفة، يريد العمل الكريم، والتعليم الجيد، والخدمات الأساسية، يريد أن يسافر كغيره من شعوب العالم دون أن يُذل على أبواب السفارات، وأن يعيش في وطن مستقر، لا تفتك به التفجيرات الإرهابية ولا تعرقله عقوبات دولية بسبب تجارة مخدرات أو إيواء إرهابيين،
يريد نظامًا حرًّا، سيد نفسه، محترِماً لمواطنيه أولًا، لا تابعًا ولا ورقة بيد أحد ملتزمًا بالقانون الدولي وقواعده.
فهل فهم الإقليم والدول الكبرى هذا التغيّر الجذري في أولويات الجنوبيين؟
وهل يدرك حلفاؤهم وأخص الجنوبيين منهم أن المرحلة المقبلة لا تحتمل المزيد من التردد أو المساومة على حقوق الشعب الجنوبي؟
يبقى السؤال الأهم موجهاً إلى النخب والسياسيين الجنوبيين وهو: هل يدركون ما يجب فعله لبلورة مشروع وطني جنوبي جامع يستجيب لطموحات هذا الجيل؟
أم سيستمرون في التنازع حول المسميات والمواقع بينما تضيع منهم فرصة تاريخية لإعادة بناء الجنوب على أسس جديدة؟
الجنوب اليوم ليس مجرد مساحة جغرافية متنازع عليها، بل إرادة شعبية تبحث عن تمثيل حقيقي وقرار سيادي، وتريد أن تكون جزءاً فاعلاً في معادلة الأمن والاستقرار في الإقليم… لا مجرد تابع في حسابات الآخرين.