*- شبوة برس – بلعيد صالح محمد
استوحيت عنوان المقال من نقاش دار أمس في إحدى الجروبات النقابية مع بعض الزملاء، فقد كنا نناقش ما آل إليه حال شعب شعب الجنوب معيشياً، فالحياة أصبحت خانقة على كل بيت، والأسعار تحولت إلى وحش يلتهم القليل الذي تبقى لدى الشعب
قال أحدهم بكلمات تعكس شعور داخلي بالاستياء الوضع كارثي إلى أين نمضي؟ فرد آخر بمرارة إلى الهاوية
لم تكن تلك الكلمة مجرد رد عابر بل جرس إنذار ، هل نحن فعلاً ندفع إلى الهاوية عن قصد هل هذا الانهيار المعيشي صدفة أم خطة رسمها الخبثاء بإحكام؟ لماذا يدفع شعب الجنوب إلى الجوع والإذلال وكأن قدره أن يعيش مهزوماً تابعاً، ولماذا كل هذا الصمت الذي يذبح حياة الناس قبل أن يذبح أجسادهم؟
أصبحت على يقين أن ما نراه اليوم ليس أزمة اقتصادية عادية ؛ بل خنق متعمد لإرادة الشعب حتى يفقد القدرة على الرفض و الاحتجاج، العملة تنهار كل لحظة بلا كابح ، والمضاربون يعبثون بها أمام أعين الجميع، والأسعار تهرول بجنون كل يوم، والفقراء يسقطون في معركة لا خيار لهم فيها، والثروات من نفط وغاز ومناجم ذهب تنهب وكأن الشعب لا يحتاج لها
لكن الأخطر من انهيار السوق هو ما يحدث للعقول حين يسحق حملة مشاعل العلم ، ويتحول التعليم إلى عبء بدلاً من أن يكون هو الأمل ، هذا ليس خلل إدارة اقتصاد، بل استهداف وتدمير للوعي وضرب للروح التي نحصن و نحمي بها المجتمع
فهل من قبيل الصدفة أن التعليم يحاصر وأن المعلم يهان ويترك يواجه الجوع وحيداً لا أحد يشعر به؟
أليس العلم هو السلاح الأقوى لمواجهة الإرهاب والفوضى فلماذا يراد لهذا السلاح أن يتحطم؟
أكتب هذه الكلمات وأنا أعرف جيداً معنى الإضراب كمعركة كرامة خضناها شهوراً نحن في نقابة الجامعات وواجهنا التجاهل والخذلان من قبل الحكومة، وعندما توجهنا بوقفاتنا الاحتجاجية نحو مقر التحالف وجدنا ما وجدناه من المضايقة، وكأن هناك من استشعر خطر وضع اليد على الجرح ، شخصية نقابية قبل الوقفة بساعات تحذرنا من التوجه إلى ذلك المكان وتطالبنا بالغاء الفعالية، وباصات تمنع من نقل المشاركين وسائق يجر وباصه إلى الحجز وصحفي يحتجز ويجبر على حذف ما صوره من الوقفة، ونقاط مستحدثة تنزل المشاركين قبل وصولهم ليكملوا السير مشياً على الأقدام
و الشيء بالشيء يذكر، أرى زملائي في التعليم العام يتعرضون اليوم للضغط والاستفزاز حتى يتراجعوا عن مطالبهم دون أدنى استجابة
فمن المستفيد حين يذل المعلم من الذي يربح إذا أصبح الجنوب بلا تعليم، أو وعي،
من يستفز مطالب المعلم يقتل مستقبل وطنه، ومن يهين التعليم يهين الناس جميعاً فالقضية قضية مصير وضمير
لنقارن بين اليوم والأمس بين العجز المفتعل الآن، والإرادة التي صنعت وطناً بعد الاستقلال؛ فجيل سالمين وقحطان وعنتر ومطيع وسعيد صالح والبيض وغيرهم خلال سنوات قليلة من استقلال الجنوب في 30نوفمبر 1967م
وحينها كان الجنوب محاصر، فقير الموارد، لكن الإرادة كانت صادقة وقوية
أنشئت مصانع ومؤسسات اقتصادية، خلال سنوات قليلة خلقت فرص عمل للناس، نظمت التجارة وبنيت مؤسسات تحمي السوق من العبث والجشع، جُعل التعليم والصحة أولوية؛ فبنيت المدارس والمعاهد والكليات المدنية والعسكرية، وأرسلت البعثات إلى الخارج لأنهم كانوا يؤمنون أن بناء الإنسان هو الطريق الوحيد لبناء الدولة، ومع أن تلك الحقبة لم تكن مثالية لكنها أثبتت أن الوطن يُبنى بالإرادة قبل المال
فلماذا اليوم رغم وفرة الثروات، يغرق الجنوب في الفقر والحاجة؟ لماذا توقفت مصفاة عدن وميناؤها؟ لماذا يوقف تصدير النفط والغاز بينما الناس يعيشون في الظلام ؟ ولماذا يصر التحالف على فرض حكام شماليين ووزراء في الحكومة يرفضهم الشعب ويعرف ضعفهم وفسادهم
أما السؤال الذي يؤرقني لماذا تتكاثر البنادق ويهتم التحالف بتكثير التشكيلات المتعارضة عسكرياً في العقيدة القتالية كي يصوب أبناء الوطن بنادقهم إلى نحور بعضهم، بينما يغض الطرف عن المدارس وهي توصد أبوابها مجبرة أمام طلابها،
أليس العلم هو السلاح الأقوى في وجه الإرهاب والتطرف،
أم أن المطلوب أن نبقى مجتمعاَ جاهلاً ، متناحراً لا يرفع رأسه
ومن هنا تأتي مسؤولية القيادة الجنوبية، فبعد أن أصبح الكل يدرك أن التحالف والحكومة المسماة الشرعية يخططان لهذا الخراب، ويتحملان الجزء الأكبر منه لكن هذا لا يعفي قياداتنا الجنوبية لتكتفي بتبرير الفشل؛ بل عليها أن تشمر السواعد كما فعل جيل سالمين، و لتنقذ ما يمكن إنقاذه فماذا تنتظر بعد؟
إذا كانت هناك إرادة حقيقية فابدأوا بوقف نزيف العملة وكبح العبث بالسوق،
حماية التعليم والمعلم لأنهما خط الدفاع الأول عن وعي المجتمع، استعيدوا السيطرة على الثروات كي تنعكس على حياة الناس، لا على جيوب الفاسدين، أعيدوا تشغيل المصفاة والميناء و تصدير النفط والغاز فهي شرايين حياة الجنوب،
افتحوا حوار صادق مع النقابات واحترموا صوتها بدل محاولة كسرها بالضغط والتهديد ووصفها بالعبارات القاسية
الجنوب يقف اليوم على حافة قرار، إما أن تعيدوا للناس كرامتهم وتحموا تعليمهم وثرواتهم، أو تتركوهم يغرقوا أكثر وتغرقوا معهم ،في فوضى يراد لها أن تكون قدر ومصير هذا الشعب
أما نحن كشعب فإنني أسأل نفسي وأسألكم
إلى متى نصمت ونحن نرى جنوبنا الغالي يتفكك أمامنا،
إلى متى يسحق الشعب ويهان المعلم وتغلق أبواب الأمل، وأقولها كصوت نقابي عاش التجربة، أن صبر الناس لن يكون بلا نهاية، والمعلم الذي يتألم اليوم سيتكلم غداً والشعب الذي يُظلم طويلاً سينفجر في وجه كل من ظلمه مهما كان اسمه أو موقعه
إن حماية التعليم أكان عام أو مهني أو عالي وتكريم المعلم، معركة وطنية وأخلاقية
ابدؤوا من التعليم، من المعلم الذي صبر حتى أنهكه الصبر، أوقفوا هذا الانهيار قبل أن يجرف الجميع؛
فمن يحمي كرامة شعبه يحمي وطنه ومستقبله ومن يفرط فيها لن يجد غداًوطناً يقف عليه