في مسار الحكم والسياسة، لا تُقاس التجارب بالبدايات فقط، بل بالخواتيم. ولعل قصة علي عبدالله صالح تقدم واحدة من أكثر الخواتيم تعبيرًا عن حقيقة المسار. فقد جاء إلى السلطة على وقع الدم، وغادرها غارقًا فيه. ما بين البداية والنهاية، كانت السيرة واحدة، هي غنيمة لا دولة، عصابة لا مؤسسة، صفقة لا مشروع.
لم يكن مشروعه بناء وطن، بل تثبيت سلطة عائلته. رأى في البلد ساحة نفوذ لا مصالح شعب، ومخزن ثروات لا مسؤولية دولة. لم يُغْرِه بناء المؤسسات ولم ينجذب اليها، بل أغوته شبكات التهريب والولاءات. في كل مفصل تاريخي، اختار منطق الغلبة لا منطق القيادة، فبنى نظامًا هشًا يستند إلى الفساد، يقوّيه الخوف، ويُسيّره الولاء الشخصي، لا القانون.
رغم الفرص التاريخية التي أتيحت له من قيام الوحدة إلى تدفق الدعم الخارجي، ومن تسويات الداخل إلى الانفتاح الدولي، إلا أنه أضاعها بعقلية التاجر لا الزعيم. لم يستثمر في شعبه، بل استثمر في ضعفه وتفكيكه. لم يسعَ إلى وحدة حقيقية، بل إلى وحدة في قبضته وفي سبيل خدمة مصالح الحاشية، لم يبنِ دولة بل إقطاعيات وكانت النتيجة: بلد تسقط عند أول هزة، و نظام وجيش يتفكك مع أول طعنة، وشعب ينظر إلى حاكمه كأصل المشكلة لا مفتاح الحل.
وعندما انقلب عليه الزمن، لم يجد نظامه الذي بناه إلى جانبه، ولا دولة تبقى واقفة لأنها لم تكن موجودة أصلًا. تحالف مع من قاتلهم بالأمس، ثم خانه من تحالف معهم اليوم. وهكذا، في مشهد عبثي يشبه سيرته، سقط برصاصات معدودات كتلك التي أوردها جسد إبراهيم الحمدي ومئات السياسيين والخصوم غدرًا، لا من خصوم بعيدين، بل من شركاء يشبهونه لم يكن فيه ولا فيهم وفاء ولا مبدأ.
لقد اختار نهايته بنفسه، عاش كزعيم عصابة، فمات كما يموت زعماء العصابات وحده بعد أن انفض الجميع من حوله في ليلة رعب من شتاء صنعاء، بعد أن سقطت أوراق اللعب من يده. وها هو التاريخ ينظر إليه لا كقائد ضيّع فرصة، بل كسبب مباشر لانهيار وطن.
خاتمته كانت أكثر صدقًا من كل الخطب. لا مجال هنا للمظلومية أو التجميل، فالمسيرة التي تبدأ بالخديعة والغدر وتنتهي بالخيانة، لا يمكن أن تُروى إلا كتحذير للأجيال لا كإرث يُحتفى به.