بقلم: عبّود علي الشعبي
برزت حقيقة مهمة، أن الجنوب صار مستقرًا، متصالحًا مع شعبه ومع الإقليم والعالم.
يذهل المراقب حين يرجع بالذاكرة إلى ما قبل 2011، لقد تغيّر الوضع منذ احتدم الصراع بين الحوثي والشرعية،
ومن قبله بسنوات، كان الحراك الجنوبي قد أحدث تغييرًا في مسار القضية الجنوبية.
كان نظام صنعاء في مرحلة لاحقة بزعامة صالح قد سلّم البلد لأحفاد الإمام القديم، فهل كان على الجنوب أن يصمت إزاء خرقٍ واضح لاتفاق الوحدة الموقّع بين الشمال والجنوب؟
لقد أدرك الساسة في الجنوب أن شريك الوحدة قد بَدّل وغادر مكانه، وأنّهُ لم يعَد شريكًا، بل صار مصارعًا من أجل المال والسلطة.
استطاع المجلس الانتقالي أن يقنع أبناء الجنوب أن التشبث بالوحدة لم يعد يجدي، وقد سُلِّم الشمال للحوثي، بل كانت "المظلومية" منذ قبل 21سبتمبر، حين بغى نظام صنعاء على الجنوب، وأقصى كوادره، متلفعًا بجلباب الوحدة المهتري، ممتدًا من حرب صيف 94م.
لقد نقضوا اتفاق الوحدة، كما ينقضون اليوم اتفاق الرياض، ما قدّموا جميلًا لعدن التي كانت "السِّر المكنون" وراء كل مصالحة ووفاق، بدليل أنها تحتضن اليوم 5مليون نازحاً من أبناء الشمال.
يرى المراقب السياسي أن عيدروس الزبيدي، قائداً صارمًا، لن يفاوض على انتقاص حق الجنوب في تقرير مصيره، بل هو روحاً مشبعة بالتشبُّث بالقضية، حتى لو مزح وابتسم وهو يحسو فنجان قهوة مع رشاد العليمي.
لن ينكر أحداً، أن الإصلاحات الاقتصادية والتحسُّن الملحوظ، في سعر العملة المحلية، كان نتاجًا للغطاء السياسي والأمني الذي وفّرهُ "الانتقالي" لمساعي حكومة المناصفة.
يرى الإقليم والعالم أن دور الانتقالي يتعاظم بحسب موقع الجنوب الذي يطل على باب المندب والبحر الأحمر، وهل شُغِلَ العالم بأكثر مما يجري، في هذا المكان الحيوي والاستراتيجي الذي يمثّل شريان التجارة العالمي.
وحين يوفِّي الجنوب دوره في الدفاع والحماية، أليس حقاً على التحالف دعمه ومساندته، وهو أخْبَر بالماء وأسراره، ولم تعهد الدنيا ضررًا لَحِقَ بطريق الملاحة منذ قامت دولة الجنوب في 30 نوفمبر 67، حتى جاءت مرحلة صراع الأضداد بين أبناء الهضبة.
كم خطيئة ارتكبها نظام صنعاء حتى آلت الأمور إلى هذا الواقع، الذي قيل فيه بحسب تقارير أممية، أن المجاعة في اليمن تأتي مباشرة بعد السودان وغزّة.
أليس "يداك أوكتا وفوك نفخ" قد بدّل الحال إلى أسوأ حال؟!
ومن الجاني والمجني عليه في هذه الحالِقَة؟!
يبقى على الحكومة، أن لا تستنكف من إجراءات قد ترى أنها غير مناسبة، فقط حين تلتفت هي إلى الملف الاقتصادي وتعمل فيه العقل، ستدرك أن الجميع ينشد تعزيز إصلاحاتها، وإنّهُ لا أحد يقصد الانتقاص من دورها.
ولعله الآن يدرك التحالف، قيمة الجنوب المستقر في مقابل الشمال المضطرب، وأن لغة الحوار والتفاوض تبقى سهلة مع نخبة الجنوب وسلسة، وأنها مع الحوثي صعبة وشاقة،
وأن طاولة عدن ناعمة وتعلوها مزهرية، بينما طاولة صنعاء خشنة وتعلوها بندقية، وأن الإقليم والعالم لن يحصلا على أنموذجًا يقيم دولة ويؤسس لتحالف يمكِّن للاستقرار في المنطقة والعالم كالجنوب..
سَلِ الأرض عنّا ألَمْ نُعطِها
ندىً من رياض النفوس الأبيّةْ
وسَل عَدَنًا كم مكثنا بها
وما غرّبتنا البلاد القصيّةْ
تركنا "الإعاشة" للطامعين
وعِشنا كرامًا لأجلِ القضيّةْ.
المزيد من مقالات (عبّود علي الشعبي)
الأربعاء, 17 سبتمبر 2025