*- شبوة برس - لطفي الداحمة
منذ أكثر من ثلاثة عقود، عاش الجنوب العربي واحدة من أكبر الخدع السياسية في تاريخه الحديث، عندما رفعت شعارات "الوحدة اليمنية" والعروبة لتغدو غطاء لعملية "ضم وإلحاق قسري"، لا شراكة فيها ولا عدالة، كانت الآمال حينها تتجه نحو وحدة بين شعبين، لكنها سرعان ما انقلبت إلى هيمنة سياسية واقتصادية، أعقبتها اغتيالات وتصفيات وإقصاء منظم، استهدفت كوادر الجنوب ونخبه، حتى غابت الدولة التي حلم بها الجنوبيون ذات يوم.
لم تدم نشوة إعلان الوحدة طويلاً، فسرعان ما تكشف أن ما حدث لم يكن اتحاداً بين دولتين، إنما ضم بالقوة وتغول سياسي من نظام الشمال على مقدرات الجنوب وثرواته، بدأت عمليات الإقصاء بعد حرب 1994م التي كرست معادلة المنتصر والمهزوم، وعمقت جراح الهوية الجنوبية التي جرى طمسها باسم الوحدة والعروبة.
وعندما حان عام 2015م، وخرج الجنوب من تحت عباءة اليمننة بكل مكوناتها، الحوثي والمؤتمر والإصلاح، ظن الجنوبيون أن ساعة الحقيقة قد دقت، وأن العالم العربي سينصفهم هذه المرة، لكن الخديعة تكررت، وجاء التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات، تحت شعار "كسر المشروع الإيراني المجوسي" واستعادة الشرعية، فإذا بالجنوب يجد نفسه مجدداً ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية، وورقة ضغط في صراع المصالح لا أكثر.
كانت "اتفاقية الرياض" إحدى أبرز صور تلك الخديعة الثانية، وروج لها كطريق للسلام وتوحيد الصف، لكنها سرعان ما أُدرجت كأداة تقييد سياسي أبقت الجنوب تحت رحمة التحالف ومكوناته، وجعلت تضحيات أبنائه رهينة حسابات الغرف المغلقة.
وما زاد المرارة، أن دول العروبة التي وعدت بالدعم والحماية باتت اليوم تجتمع وتتحاور مع ذات القوى التي دمرت الجنوب، تحت مسمى “السلام الشامل”، وكأن دماء الشهداء وتضحيات المقاتلين لا تعني شيئاً في معادلات المصالح.
يواجه الجنوب لحظة حاسمة، بين هوية تحاصر، ومشروع وطني يسعى إلى استعادة قراره، العجيب أن من فوضوا لتمثيل الجنوب ما زالوا ينتظرون “اكتمال المشهد”، بينما ترسم بالعواصم صفقات قد تمس جوهر القضية الجنوبية وتختزلها في بنود سياسية لا تعبر عن تضحيات شعب ناضل لعقود.
إن ما يحدث ليس إلا امتداداً لسلسلة الخدع التي لبست ثوب العروبة تارة والوحدة تارة أخرى، رغم ذلك ظل الجنوب يدفع الثمن وحده، صامداً في وجه المؤامرات التي تحاول طمس هويته الوطنية وتاريخه النضالي.