ذات صباح قررت أعيش كإنسان محترم، طفشت وجهي بمساعدة عطسة القصبة، وكأنها هي الأخرى مصابة بالزكام من هواء المدينة.
لبست ثيابي المكوية من أيام الكهرباء، وخرجت من البيت أحمل نية طيبة وكيس قمامة لأضعه في المكان المخصص له، الذي اكتشفت أنه غير موجود أصلًا.
لكن لا بأس، الإنسان المحترم لا يستسلم، فوضعته جانب الرصيف بحذر وقلت لنفسي: “أكيد البلدية بتجزع قريب وتجمعه.”
وفعلاً، البلدية عندنا شادة حيلها وتعمل بجد، لكن الشعب لا يترك لها فرصة تفرح بإنجاز واحد. هناك من يرمي المخلفات بعد مرور سيارة البلدية بدقيقة، وكأن بينه وبين النظافة ثأر قديم.
نحن شعب يتعامل مع القمامة كما يتعامل الرسام مع لوحته المفضلة… كل يوم يضيف إليها لمسة جديدة من الإبداع الشعبي، حتى صارت الأرصفة معارض فنية مفتوحة برعاية المواطن الكريم.
تابعت سيري بين الحفر والمطبات التي تشكل خريطة وطن بلا هندسة، وبين السيارات التي تقف في الاتجاه المعاكس لأنها تؤمن أن النظام مجرد إشاعة اخترعها الغرب الكافر.
حتى عمال النظافة، مرّ أحدهم بجانبي وهو ينظر إليّ بشفقة، كأنه يقول في سره: “شكلك بايخ وإنت مسوي فيها محترم.”
في المساء، عدت إلى البيت متعبًا من كوني محترمًا أكثر من اللازم، ففتحت هاتفي وكتبت منشورًا: "اليوم حاولت أعيش كإنسان محترم، فاكتشفت أن المشكلة ليست في النظام ولا في البلدية، بل فينا نحن، لأننا ما زلنا نؤمن أن الاحترام يصلح للعيش في هذا البلد الكمين".
ثم أغلقت الهاتف وابتسمت بمرارة، لأني أدركت أن أكثر ما يُعاقب عليه الإنسان هنا، هو أن يكون مؤدبًا عن قناعة مع سبق الإصرار والترصد.